الأصل السادس، أصول وضوابط التتبّع وحدوده

إنّ من الأمور الهامّة جدّاً مسألة التتبّع والفحص سواء في المستندات التاريخية والوثائق أو عن المدارك الروائية والحديثية، ويشمل ذلك كتب السير ونحوها، فإنّ التتبع المضني الطويل الشاقّ قلّ في الآونة الأخيرة رغم توفّر آليات الفحص التقنية الحديثة، فترى السرعة والعجلة في النفي والإنكار أو الجزم والإثبات رغم قلّة الاستقصاء والاكتفاء ببعض المصادر، مع أنّ نماذج التتبّع وأمثاله الكاملة يشاهد أنّها تستغرق عمراً كاملًا بل أعمار في السبر والتنقيب عن مسألة واحدة، وإن كان ذلك لا بمعنى استغراق الليل والنهار في ذلك بل المراد ملاحقة الخيوط والمظانّ للمسألة من موضوع إلى آخر في فترات متّصلة ومتباعدة تطول سنين ممتدّة من العمر.

فهذا المجلسي الأوّل يذكر في مقدمة شرحه على من لا يحضره الفقيه المسمى ب «لوامع صاحبقراني» أنّه تتبع حال ابن أبي عمير ما يقرب من خمسين عاماً وذكر أنه وقف على خصائص ونكات في شخصيّة ابن أبي عمير قلّما وقف عليها غيره. بل إنّنا نشاهد من المستشرقين والباحثين الغربيين في تراثنا من يوقف عمره على تحقيق مسألة واحدة في السيرة، ربما تكون تلك المسألة قد سبق أن تظافرت فيها دراسات استقصائية إلّاأنه رغم ذلك لا يثني ذلك الباحث عن صرف عمر طويل في التنقيب والاستكشاف بغية الوصول إلى