فالآية المبحوثة في المقام وهذه الآيات تدلّ على وجود مقامات غيبيّة كثيرة غير النبوّة والرسالة، يعطيها اللَّه عزّ وجلّ لخاصّة أوليائه المصطفَين، وإن لم يكونوا أنبياء، كما هو الشأن في لقمان، وطالوت، وذي القرنين حيث قال فيه تعالى: وَ آتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً[3].
وكذلك في الخضر عليه السلام فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَ عَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً[4]، ومن تلك المواقع هي وراثة الكتاب، والحكمة، وفصل الخطاب، والملك، والحُكم، والعلم اللدنّي، وتأويل الأحاديث، ومنطق الطير، وتليين الحديد، والبيّنات، والتأييد بروح القدس، والسلطان المبين.
و هذا ممّا يدلّ على أنّ هناك مناصب إلهيّة ومقامات غير النبوّة والرسالة، وكلّها ذات مواقع غيبيّة، ومواهب من اللَّه تعالى لدنّية، وهذه المواهب لم تكن لتُعطى للأصفياء المصطفَين في الامم السابقة، وتنقطع عن الأصفياء المصطفَين في هذه الامّة، من نسل آل إبراهيم، و هذا هو مغزى استدلال القرآن في هذه الآية، واستنكاره على الحاسدين الجاحدين في الاعتراف بوجود هذه المقامات في آل النبيّ صلى الله عليه و آله، مع اعترافهم بوجودها في آل إبراهيم، فكيف يقرّون بوجودها في آل إبراهيم وينكرونها في آل محمّد صلى الله عليه و آله فما هو إلّاالحسد والجحود.