الغدير من مرقده، فأنعشه بعد أن كاد، و مثّل- لكل من كان في الرحبة
من تلك الجماهير- موقف النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يوم خم، و قد أخذ بيد «علي» فأشرف به على مائة ألف أو يزيدون من أمته، فبلغهم أنه وليهم من بعده،
و بهذا كان نص الغدير من أظهر مصاديق السنن المتواترة، فانظر إلى حكمة النبي إذ
أشاد به على رءوس تلك الأشهاد، و انتبه إلى حكمة الوصي يوم الرحبة إذ ناشدهم بذلك
النشاد، فأثبت الحق بكل تؤدة اقتضتها الحال، و كل سكينة كان الإمام يؤثرها، و هكذا
كانت سيرته في بثّ العهد إليه، و نشر النص عليه، فإنه إنما كان ينبّه الغافلين
بأساليب لا توجب ضجة و لا تقتضي نفرة.
و حسبك ما أخرجه أصحاب السنن من حديثه عليه السّلام في الوليمة التي
أولمها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في دار عمه شيخ الأباطح بمكة يوم
أنذر عشيرته الأقربين و هو حديث طويل جليل[1]، كان الناس و لم يزالوا يعدّونه من
أعلام النبوّة، و آيات الإسلام، لاشتماله على المعجز النبوي بإطعام الجم الغفير من
الزاد اليسير، و قد جاء في آخره: أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أخذ
برقبته، فقال: «إنهذا أخي و وصيي و خليفتي فيكم، فاسمعوا
له و أطيعوا»[2]و كثيرا ما كان
يحدّث بأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، قال له: «أنتولي كل مؤمن بعدي»[3]و كم حدّث بقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم له:
«أنتمني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبي بعدي»[4]و كم حدّث بقول
رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يوم غدير خم: «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى. قال: من