بما يشبه التهديد؟ و أي أمر يخشى النبي الفتنة بتبليغه؟ و يحتاج إلى
عصمة اللّه من أذى المنافقين ببيانه؟ أ كنتم- بجدك لو سألكم عن هذا كله- تجيبونه
بأن اللّه عزّ و جلّ و رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنما أراد بيان نصرة «عليّ» للمسلمين، و صداقته لهم ليس إلّا، ما أراكم ترتضون هذا الجواب، و لا
أتوهم أنكم ترون مضمونه جائزا على ربّ الأرباب، و لا على سيد الحكماء و خاتم الرسل
و الأنبياء، و أنتم أجلّ من أن تجوزوا عليه أن يصرف هممه كلها، و عزائمه بأسرها،
إلى تبيين شيء بيّن لا يحتاج إلى بيان، و توضيح أمر واضح بحكم الوجدان و العيان،
و لا شك أنكم تنزهون أفعاله و أقواله عن أن تزدري بها العقلاء، أو ينتقدها
الفلاسفة و الحكماء، بل لا ريب في أنكم تعرفون مكانة قوله و فعله من الحكمة و
العصمة، و قد قال اللّه تعالى:إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ* ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي
الْعَرْشِ مَكِينٍ* مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ* وَ ما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ[1]فيهتم بتوضيح
الواضحات، و تبيين ما هو بحكم البديهيات؛ و يقدّم لتوضيح هذا الواضح مقدمات أجنبية
لا ربط له بها و لا دخل لها فيه، تعالى اللّه عن ذلك و رسوله علوا كبيرا.
و أنت- نصر اللّه بك الحق- تعلم أن الذي يناسب مقامه في ذلك الهجير،
و يليق بأفعاله و أقواله يوم الغدير، إنما هو تبليغ عهده، و تعيين القائم مقامه من
بعده، و القرائن اللفظية، و الأدلة العقلية، توجب القطع الثابت الجازم بأنه صلّى
اللّه عليه و آله و سلّم، ما أراد يومئذ إلّا تعيين «عليّ» وليا
لعهده، و قائما مقامه من بعده، فالحديث
اللّه تعالى رسوله العظيم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن ينصّب
عليا إماما و خليفة من بعده. تقدمت مصادر نزولها في ذلك في المراجعة 56 ص 377 هامش
2، فراجع.