في خلالها طاعون عمواس، و حروب الفتوحات و الغزوات على عهد الخلفاء
الثلاثة، و هذه المدة- و هي ربع قرن- بمجرد طولها و بحروبها و غاراتها، و بطاعون
عمواسها الجارف، قد أفنت جلّ من شهد يوم الغدير من شيوخ الصحابة و كهولهم، من
فتيانهم المتسرّعين- في الجهاد- إلى لقاء اللّه عزّ و جلّ و رسوله صلى اللّه عليه
و آله و سلّم، حتى لم يبق منهم حيا بالنسبة إلى من مات إلّا قليل، و الأحياء منهم
كانوا منتشرين في الأرض إذ لم يشهد منهم الرحبة إلّا من كان مع أمير المؤمنين في
العراق من الرجال دون النساء، و مع هذا كلّه فقد قام ثلاثون صحابيا، فيهم اثنا عشر
بدريا فشهدوا بحديث الغدير سماعا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و
رب قوم أقعدهم البغض عن القيام بواجب الشهادة كأنس[1]ابن مالك و غيره، فأصابتهم دعوة أمير المؤمنين عليه السّلام[2]،و لو
[1]حيث قال له علي عليه السّلام: «مالك لا تقوم مع اصحاب رسول اللّه فتشهد بما سمعته يومئذ منه؟» فقال:
يا أمير المؤمنين، كبرت سنّي و نسيت، فقال علي: «إنكنت كاذبا فضربك اللّه ببيضاء لا تواريها العمامة»، فما قام حتى
ابيضّ وجهه برصا، فكان بعد ذلك يقول: أصابتني دعوة العبد الصالح ... الخ
قلت: هذه منقبة مشهورة ذكرها الإمام ابن قتيبة الدينوري، حيث ذكر
أنسا في أهل العاهات من كتابه- المعارف- آخر ص 194. و يشهد لها ما أخرجه الإمام
أحمد بن حنبل في آخر ص 119 من الجزء الأول من مسنده، حيث قال: فقاموا إلّا ثلاثة
لم يقوموا، فأصابتهم دعوته. (منه قدّس سرّه).
[2]من كتم حديث الغدير عند المناشدة فأصابتهم دعوة أمير المؤمنين عليه
السّلام.
1- أنس بن مالك؛ أصابه البرص المعارف لابن قتيبة: ص 580، شرح نهج
البلاغة لابن أبي الحديد: ج 1 ص 362، و ج 4 ص 388 بمصر قديم، و ج 4 ص 74، و ج 19 ص
217 ط مصر بتحقيق محمد أبو الفضل برقم 317 من الأصل، عبقات الأنوار: (حديث
الثقلين): ج 2 ص 309.
2- البراء بن عازب؛ فقد عمي ذكره في إحقاق الحق: ج 6 ص 308، 334 عن
أرجح المطالب لعبيد اللّه الآمر تسري الشافعي: ص 580 ط لاهور، الأربعين حديثا
للهروي مخطوط ط لاهور، أنساب الأشراف للبلاذري: ج 1 كما في البحار: ج 37 ص 197 ط
الجديدة، عبقات الأنوار: (حديث الثقلين): ج 2 ص 312.
3- زيد بن أرقم كتم الحديث فأصابه العمى. مناقب علي بن أبي طالب لابن
المغازلي الشافعي: ص 23 ح 33 ط 1 طهران، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 1 ص
362 ط 1 بمصر، و ج 4 ص 74 ط مصر