تخفى على أولي الألباب، فإن قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: و هو
وليكم بعدي ظاهر في قصر هذه الولاية عليه، و حصرها فيه[1]، و هذا يوجب تعيين المعنى الذي قلناه؛ و
لا يجتمع مع إرادة غيره، لأن النصرة و المحبة و الصداقة و نحوها غير مقصورة على
أحد، و المؤمنون و المؤمنات بعضهم أولياء بعض، و أي ميزة أو مزية أراد النبي
إثباتها في هذه الأحاديث لأخيه و وليه، إذا كان معنى الولي غير الذي قلناه، و أي
أمر خفي صدع النبي في هذه الأحاديث ببيانه، إذا كان مراده من الولي النصير أو
المحب أو نحوهما، و حاشا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، أن يهتم بتوضيح
الواضحات، و تبيين البديهيات، إن حكمته البالغة، و عصمته الواجبة، و نبوّته
الخاتمة، لأعظم مما يظنون، على أن تلك الأحاديث صريحة في أن تلك الولاية إنما تثبت
لعلي بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و هذا أيضا يوجب تعيين المعنى الذي
قلناه، و لا يجتمع مع إرادة النصير و المحب و غيرهما، إذ لا شك باتصاف علي بنصرة
المسلمين و محبتهم و صداقتهم منذ ترعرع في حجر النبوة، و اشتد ساعده في حضن
الرسالة، إلى أن قضى نحبه، فنصرته و محبته و صداقته للمسلمين غير مقصورة على ما
بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، كما لا يخفى.
و حسبك من القرائن على تعيين المعنى الذي قلناه، ما أخرجه الإمام
أحمد في ص 347 من الجزء الخامس من مسنده بالطريق الصحيح عن سعيد ابن جبير، عن ابن
عباس، عن بريدة، قال: غزوت مع علي اليمن فرأيت منه جفوة، فلما قدمت على رسول اللّه
صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ذكرت عليا فتنقّصته، فرأيت وجه رسول اللّه يتغير،
فقال: «يابريدة أ لست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت: بلى
[1]لأن معنى قوله- و هو وليكم بعدي- أنه هو لا غيره وليكم بعدي. (منه
قدّس سرّه)