و أما قوله تعالى:
وَ قَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاًفليس
«أسباطا» تمييزا، بل بدل من «اثنتي عشرة» و التمييز محذوف، أي: اثنتي عشرة فرقة.
و الرابع: ما يحتاج إلى تمييز
مفرد مخفوض. و هو المائة و الألف، تقول: «عندي مائة رجل، و ألف رجل».
و يلتحق بالعدد المنتصب تمييزه
تمييز «كم» الاستفهامية، و هي بمعنى أيّ عدد، و لا يكون تمييزها إلا مفردا؛ تقول:
«كم غلاما عندك» و لا يجوز «كم غلمانا» خلافا للكوفيين.
و يلتحق بالعدد المخفوض تمييز
«كم» الخبرية، و هي اسم دال على عدد مجهول الجنس و المقدار: يستعمل للتكثير، و
لهذا إنما يستعمل غالبا في مقام الافتخار و التعظيم، و يفتقر إلى تمييز يبين جنس
المراد به، و لكنه لا يكون إلا مخفوضا كما ذكرنا، ثم تارة يكون مجموعا كتمييز
الثلاثة و العشرة و أخواتهما، و تارة يكون مفردا، كتمييز المائة و الألف و ما
فوقهما.
و الخامس: ما يحتاج إلى تمييز
مفرد منصوب أو مخفوض، و هو «كم» الاستفهامية، المجرورة، نحو: «بكم درهم اشتريت»
فالنصب على الأصل، و الجر بمن مضمرة، لا بالإضافة، خلافا للزجاج.
و إنما لم أذكر في المقدمة أن
تمييز كم الاستفهامية و تمييز الأحد عشر و التسعة و التسعين و ما بينهما منصوب
لأنني قد ذكرته في باب التمييز؛ فلذلك اختصرت إعادته في هذا الموضع من المقدمة.
الشّاهد فيه: قوله «ثنتا حنظل» حيث
ذكرت الثنتين مع المعدود، و ليس ذلك مستعملا في العربية، و إنما المستعمل أن يثنى
المعدود؛ فيقال فيه: حنظلتان؛ فافهم ذلك؛ و اللّه يوفقك.
و اللّه سبحانه و تعالى أعلى و
أعلم، و الحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا و يرضى،
ربنا عليك توكلنا، و إليك أنبنا، و إليك المصير.
شرح شذور
الذهب في معرفة كلام العرب، ص: 466
و الحمد لله على إحسانه، و قد أتيت على ما أردت إيراده في شرح هذه
المقدمة، و لله- سبحانه و تعالى- الحمد و المنّة، و إياه إسأل أن يجعل ذلك لوجهه
الكريم خالصا مصروفا، و على النفع به موقوفا، و أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين، و أن
يدخلني برحمته في عباده الصالحين، بمنّه و كرمه آمين، و الصلاة و السّلام على
سيدنا محمد، و على آله و صحبه أجمعين، و الحمد لله رب العالمين.
قال المعتز بالله تعالى وحده أبو
رجاء محمد محيى الدين ابن الشيخ عبد الحميد ابن ابراهيم، المنذري:
أحمد اللّه الذي يمنّ على من
يشاء من عباده، و أصلي و أسلم على سيد المرسلين و إمام المتقين، سيدنا محمد، و على
آله و صحبه و أحبابه، و بعد، فقد تم ما أردت من التعليق على شرح شذور الذهب لابن
هشام في منتصف ليلة الخميس من شهر رمضان المعظم أحد شهور عام 1355 من الهجرة
النبوية، و أنا أسأل اللّه أن يجعله مقربا إليه، ربنا عليك توكلنا و إليك أنبنا،
ربنا و لا تجعل في قلوبنا غلّا للذين آمنوا، و صلّى اللّه على سيدنا محمد و على
آله و صحبه و العاملين من أمته، و سلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
ثم إنني- بعد أن نفدت جميع نسخه،
و كثر الإلحاح عليّ لإعادة نشره- قد راجعته مرة أخرى، فرأيت أن أزيد في تعليقاتي
زيادات أحببت ألا يغفل عنها طالب العلم، و قدرت أول الأمر أن تكون هذه الزيادة
قليلة، و لكن مجال القول كان ذا سعة، فجال القلم جولات صارت بها الزيادة أكثر من
قدر الأصل، و سميت شرحي هذا «منتهى الأرب، بتحقيق شرح شذور الذهب» و إنّي لأرجو أن
ينفع اللّه به، و أن يجعله لنا عنده في ميزان الحسنات، يوم تجد كل نفس ما عملت من
خير محضرا، و ما عملت من سوء تود لو أن بينها و بينه أمدا بعيدا.
اللهم يا موفق الطائعين وفقنا
لما تحب و ترضى، يا أرحم الراحمين.
نام کتاب : شرح شذور الذهب في معرفة كلام العرب نویسنده : ابن هشام الأنصاري جلد : 1 صفحه : 465