الْكَلَامَ حَتَّى أَتَاهُمُ الْغَيْثُ كَأَفْوَاهِ الْقِرَبِ، فَقُلْتُ: يَا فَتَى! مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ أَنَّهُ يُحِبُّكَ؟ قَالَ: لَوْ لَمْ يُحِبَّنِي لَمْ يَسْتَزِرْنِي، فَلَمَّا اسْتَزَارَنِي عَلِمْتُ أَنَّهُ يُحِبُّنِي، فَسَأَلْتُهُ بِحُبِّهِ لِي فَأَجَابَنِي. ثُمَّ وَلَّى عَنَّا وَأَنْشَأَ يَقُول:
مَنْ عَرَفَ الرَّبَّ فَلَمْ تُغْنِه
مَعْرِفَةُ الرَّبِّ فَذَاكَ الشَّقِي
مَا ضَرَّ فِي الطَّاعَةِ مَا نَالَهٌ
فِي طَاعَةِ اللهِ وَمَا ذَا لَقِي
مَا يَصْنَعُ الْعَبْدُ بِغَيْرِ التُّقَى
وَالْعِزُّ كُلُّ الْعِزِّ لِلْمُتَّقِي
فَقُلْتُ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ! مَنْ هَذَا الْفَتَى؟ قَالُوا: عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلامبْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ».
المِنْهَالُ بْنُ عَمْرٍو فِي خَبَرٍ قَالَ: حَجَجْتُ فَلَقِيتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عليه السلام فَقَالَ: مَا فَعَلَ حَرْمَلَةُ بْنُ كَاهِلٍ؟ قُلْتُ: تَرَكْتُهُ حَيًّا بِالْكُوفَةِ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ عليه السلام: اللهُمَّ أَذِقْهُ حَرَّ الحَدِيدِ، اللَّهُمَّ أَذِقْهُ حَرَّ النَّارِ. فَتَوَجَّهْتُ نَحْوَ المُخْتَارِ فَإِذَا بِقَوْمٍ يَرْكُضُونَ وَيَقُولُونَ: الْبِشَارَةُ أَيُّهَا الْأَمِيرُ، قَدْ أُخِذَ حَرْمَلَةُ، وَقَدْ كَانَ تَوَارَى عَنْهُ، فَأَمَرَ بِقَطْعِ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَحَرْقِهِ بِالنَّارِ.
وَكَانَ زَيْنُ الْعَابِدِينَ عليه السلام يَدْعُو فِي كُلِّ يَوْمٍ أَنْ يُرِيَهُ اللهُ قَاتِلَ أَبِيهِ مَقْتُولًا، فَلَمَّا قَتَلَ المُخْتَارُ قَتَلَةَ الْحُسَيْنِ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ بَعَثَ بِرَأْسِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ زِيَادٍ وَرَأْسِ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ مَعَ رَسُولٍ مِنْ قِبَلِهِ إِلَى زَيْنِ الْعَابِدِينَ، وَقَالَ لِرَسُولِهِ: إِنَّهُ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ وَإِذَا أَصْبَحَ وَصَلَّى صَلَاةَ الْغَدَاةِ هَجَعَ ثُمَّ يَقُومُ فَيَسْتَاكُ وَيُؤْتَى بِغَدَائِهِ، فَإِذَا أَتَيْتَ بَابَهُ فَاسْأَلْ عَنْهُ، فَإِذَا قِيلَ لَكَ: إِنَّ المَائِدَةَ وُضِعَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَاسْتَأْذِنْ عَلَيْهِ وَضَعِ الرَّأْسَيْنِ عَلَى مَائِدَتِهِ، وَقُلْ لَهُ: المُخْتَارُ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ، وَيَقُولُ لَكَ: يَابْنَ رَسُولِ اللهِ! قَدْ بَلَّغَكَ اللهُ ثَارَكَ. فَفَعَلَ الرَّسُولُ ذَلِكَ، فَلَمَّا رَأَى زَيْنُ الْعَابِدِينَ عليه السلام الرَّأْسَيْنِ عَلَى مَائِدَتِهِ خَرَّ سَاجِداً، وَقَال: