ولكنه قد يشك في أن سلب النملة رزقها ظلم ليكون منكرًا، أم ليس بظلم فليس بمنكر .. وهذا بدوره على نوعين:
ألف: إذ قد ينشأ هذا الريب من جهل البشر بطبيعة النملة ومدى ضرورة وجودها لحياة الإنسان. فلابد- لكشف ذلك- من التفكير المنهجي، والتذرع بالوسائل العلمية. وهنا يحكم العقل عليه بأن يتثبت ولا يعجل في الحكم، ذلك أن العجلة من الجهل، فالتسرع يجر إلى مجموعة كبيرة من الأخطاء. وقد جاء في النصوص القرآنية توجيه بالغ الوضوح إلى التثبت، فقال الله سبحانه: وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا[1]. وبحكم العقل بضرورة التثبت الكامل قبل الحكم على أي شيء يحرز العاقل العلم الصحيح ولا يتورط في أخطاء التسرع، ولقد جاء في الحديث عن الإمام علي (ع):
: والقسم الثاني من تردد النفس في الأحكام العقلية، ينشأ من تناقض الحكم العقلي مع المصالح الآنية للإنسان. ولذلك يبدو الحكم الواضح غامضًا بينما هو في الواقع ليس بغامض، إنما يريد الإنسان أن يتصوره كذلك ليتخلص من مسؤولية الاعتراف به. فالرجل القوي الذي يعيش على حساب المستضعفين يحاول تبرير ظلمه بما يبعده عن توجيه نور العقل.
إن هذا النوع من التردد هو الذي يقضي على طائفة ضخمة من الأحكام الصائبة عند النفس البشرية. وعلى الإنسان أن يناضل مع ذاته أبدًا ليبعده عن التأثر بالأهواء والشهوات، وقد جاء في الحديث:
وسيتضح لدينا قريبًا دور هوى النفس وشهواتها في طمس نور العقل، والذي قد يقضي على العقل كله، ويدع النفس في ظلمات ما فوقها ظلمات.
ومن كل ما سبق نكتشف الجواب الصحيح عن نوعية نقد العقل للأفكار الصادرة عن المسبقات العقلية، وكيف تتمكن الذات من الثقة بنوع منها بعد أن تكتشف زيف النوع الآخر.