كنت ولا أزال حتى هذا الوقت أمتلئ حبًّا عميقًا للحج، يبعث في نفسي قوة تحدو بي إلى الديار المقدّسة، وزيارة بيت الله العتيق؛ حينما أُرتِّل الآيات القرآنية المباركة التي تفرض الحج، هذا الواجب العظيم في قوة وإصرار، وعاطفة مشبوبة.
فَطَوْرًا: تعرض البيت العتيق حيث كان يُعبَد الله عنده حينما كان بناية ناشئة يرفعها إبراهيم الخليل وإسماعيل نجله العظيم عليهما السلام في أشباح العصور السحيقة التي غرقت في لجج ظلمات التاريخ. فيقول عزّ من قائل: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ[1].
فقد بُنيت القاعدة الأولى لهذا البيت على التقوى، ولقد بناه قائدٌ حمل راية التوحيد في آفاقٍ تتلبّد عليها غيوم الجهل والظلم فتحجب نور الحق من أن يشرق على العقول، فيهديها إلى الطريق اللاحب، والصراط المستقيم.