وإنما عمل بنا كل ذلك الإيمان والإخلاص، حبستنا الرياضة النفسية التي لن تُنال الدرجات الأخروية العالية إلَّا بها.
في السيارة المكشوفة
وبعد ذلك استقلتنا السيارة المكشوفة مُيمّمة شطر مكّة المكرّمة، فأصبحت تطوي الصحراء، وتنهب الأرض نهبًا، وأمسينا نكرر التلبية في أي حين وطئنا واديًّا، أو ضربنا في عنق هضبة، عملًا بالمندوب، واقتداء بعمل الرسول صلى الله عليه واله فنردد كلمات التلبية بكل توجّه وخشوع:
. وحينما مالت الشمس إلى الغروب، وأمست جيوش الظلام تتغلّب على سلطان النهار، وكنّا لا نزال على متن السيارة، كان هناك المنظر بهيجًا للغاية، كما كان يبعث الخشوع والخضوع في النفوس المؤمنة، فكنت ترى الطريق الطويل، قد ملأته السيارات القاصدة مكّة المكرّمة تحمل آلافًا من الحجاج الملبّين، فهي سلسلة
متتابعة كانت تبدو- في ذلك الليل البهيم أنوار متلألئة وهّاجة أضاءت الصحراء القاحلة الجرداء، وجميعها تُقِلُّ الوافدين الذين