الغاشية : أفلا ينظرون إلى الابل كيف خلقت * وإلى السماء كيف رفعت* وإلى الجبال كيف نصبت * وإلى الارض كيف سطحت ١٧ ـ ٢٠
١ ـ ج : عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه : ولو فكروا في عظيم القدرة ، وجسيم النعمة لرجعوا إلى الطريق وخافوا عذاب الحريق ، ولكن القلوب عليلة والابصار مدخولة ، [١] أفلا ينظرون إلى صغير ما خلق؟ كيف أحكم خلقه ، وأتقن تركيبه ، وفلق له السمع والبصر وسوى له العظم والبشر ، انظروا إلى النملة في صغر جثتها ولطافة هيئتها لا تكاد تنال بلحظ البصر ولا بمستدرك الفكر ، كيف دبت على أرضها ، وضنت على رزقها ، [٢] تنقل الحبة إلى جحرها وتعدها في مستقرها ، تجمع في حرها لبردها وفي ورودها لصدورها[٣] مكفول برزقها ، مرزوقة بوفقها ، لا يغفلها المنان ولا يحرمها الديان ولو في الصفا اليابس والحجر الجامس ، لو فكرت في مجاري أكلها ، وفي علوها وسفلها ، وما في الجوف من شراسيف بطنها ، وما في الرأس من عينها واذنها لقضيت من خلقها عجبا ولقيت من وصفها تعبا ، فتعالى الذي أقامها على قوائمها ، وبناها على دعائمها ، لم يشركه في فطرتها فاطر ، ولم يعنه على خلقها قادر ، ولو ضربت في مذاهب فكرك لتبلغ غاياته ما دلتك الدلالة إلا على أن فاطر النملة هو فاطر النحلة لدقيق تفصيل كل شئ وغامض اختلاف كل حي ، وما الجليل واللطيف والثقيل والخفيف والقوي والضعيف في خلقه إلا سواء ، كذلك السماء والهواء والريح والماء ، فانظر إلى الشمس والقمر والنبات والشجر والماء والحجر ، واختلاف هذا الليل والنهار ، وتفجر هذه البحار وكثرة هذه الجبال ، وطول هذه القلال ، وتفرق هذه اللغات والالسن المختلفات ، فالويل لمن أنكر المقدر ، وجحد المدبر ، زعموا أنهم كالنبات مالهم زارع ، ولا لاختلاف صورهم صانع ، لم يلجأوا إلى حجة فيما ادعوا ، ولاتحقيق لما وعوا ، وهل يكون بناء من غير بان
[١]وفي نسخة : والبصائر مدخولة.
[٢]وفي نسخة من الكتاب والاحتجاج المطبوع : كيف صبت على زرقها.
[٣]وفي نسخة : لصدرها.
نام کتاب : بحار الأنوار - ط دارالاحیاء التراث نویسنده : العلامة المجلسي جلد : 3 صفحه : 26