(وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمْ
الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ) ولكن ليس هذا هو الهدف الوحيد، بل
لكي يبلغ الإنسان بالكتاب عمق الحق فيهتدي إليه، ثم ينال بتطبيقه على ذاته رحمة
ورفاه جم.
(وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)
إن من لا يؤمن بالحق ينتفع بالكتاب فائدة واحدة هي: رفع الخلاف الظاهر بينه وبين
الآخرين، كما استفاد الأعراب من الإسلام قبل أن ينفذ الإيمان إلى قلوبهم، فقد
خضعوا للإسلام كحكم سياسي، فنفعهم تسليمهم له وحدة سياسية، ولكن بعد أن آمنوا
وصلوا بأنفسهم إلى الحق، ونالوا الخير الواسع.
القرآن مطر الرحمة
[65] وكتاب الله كماء السماء يحيي الله به الأرض بعد
موتها (وَاللَّهُ أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ
الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ)
سوف نستمع إلى ثلاث عبارات جاءت كشرط مسبق لإستيعاب عبرة الحياة، وفهم خلفيات
الطبيعة وهي بالتدريج. السمع، والعقل، والتفكر، وهي مراحل العلم الذي يهب الله
للإنسان نوره، ثم يسلبه إذا بلغ أرذل العمر، وهي مرحلة الإحساس المباشر، أو
التجربة البسيطة الآتية عن طريق السمع، وهي أقرب الأحاسيس إلى الشؤون العقلية، كما
أنها وسيلة حضارية لنقل تجارب الأجيال لبعضها، ولنقل تجارب الناس المعاصرين
لبعضهم، ثم تأتي مرحلة الحفظ وتراكم التجارب التي هي العقل حسبما جاء في الحديث
الشريف عن رسول الله صلى الله عليه واله
في النهاية تأتي مرحلة التفكر، وذلك بربط التجارب إلى بعضها مما
نسميه نحن بالتحليل أو التعقل، ويبدو أن المعرفة الحق لا تحصل من دون اجتياز
المراحل جميعا، ولكن القرآن الحكيم ربط بين كل مرحلة وبين آية إلهية لحكمة بالغة
قد لا نفهمها إلا بالتدبر.
الأنعام عبرة ورحمة
[66] ويتجلى اسم الرحمة الإلهي في الأنعام التي نعتبر
بها عند أدنى نظرة، ونتعرف من خلال النظر إليها على الهدف من خلقها، وما يتصل بهذا
الهدف من هدف أسمى لخلقة البشر