(إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ) إن الله لن
يخلف موعده مع الكفار بأن يأخذهم في ذلك اليوم حيث لا يستقدمون عنه ساعة ولا
يستأخرون.
فأمليتُ للذين كفروا
[32] يسترسل القرآن في الفكرة التي بدأها في بداية هذا
الدرس بتكذيب الأمم رسلها، وأن موقف الأمم عبرة لمن ألقى السمع، وموقف الرسل عبرة
للرسول، فيقول الله سبحانه (وَلَقَدْ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ
مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا).
كما أن إرسال الرسل سنة، فكذلك تكذيب الأمم سنة أيضا، وليس التكذيب
هو الأسلوب الوحيد للمواجهة، بل هناك أسلوب آخر يعتمده الكفار ضد الرسل وهو أشد
أثرا بنفسية الرسل إلا وهو أسلوب الاستهزاء، وأسلوب الاستهزاء مجموع نوعين من
أساليب الكفار، فلا يكون الاستهزاء إلا بالتكذيب، ومن ثم بالسخرية والاستخفاف،
وهناك في زماننا الكثير ممن تركوا رسالتهم لأن الناس واجهوهم.
والإمهال والإملاء هو من حكمة الله الماضية على عبيده العاصين.
وقد قال الله (وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي
مَتِينٌ) [الاعراف: 183].
(ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ)
أي كيف كان عقابي لهم؟! وهذا تعبير عن الشدة في الأخذ، وهذه النتيجة السيئة لمن
يكذب بالرسل ويستصغر شأنهم.
[33] (أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ)
القائم على كل نفس: الحافظ لها، وقيل معناه: إنه قائم على كل نفس بالرزق، وربما ما
بعدها يحددها.
(بِمَا كَسَبَتْ) بما عملت، فحكم نفسك ليس بيدك، ولا
تستطيع نفسك أن تفلت من زمام التقدير، فإن الله لو تركها لحظة لانتهت، ولما بقي
لها من الوجود شيء، والله لا يعصى عن غلبة، وأنت إن أعطيت التخيير في الطاعة أو
المعصية، فأنت مسير من قبل الله، وأكبر دليل على ذلك روحك وقلبك وسائر اعضاء جسمك
التي تعمل ولوحدها ولا تدخل لك في إيقافها أو عملها.