إن الفرق بين من يؤمن بالله وبين من لا يؤمن به كالفرق بين البصير
والأعمى، والنور والظلمات، والمؤمن عندما يتصل بالله يتحول من لا شيء إلى شيء،
ولأن الله مهيمن على كل شيء وخالق كل شيء وبه تقوم الأشياء فإنه كلما كان
الإيمان أعمق كلما كان الإنسان أكبر.
إن الله سبحانه رازق كل شيء، فمثل رسالته كمثل غيث ممطر من السماء
على الأرض فتستقبله الأودية ليروي الزرع والضرع، ويجعل الأرض مخضرة، ويزيل شوائب
الحياة (الزبد) ولكن الإنسان بدل أن يهتم بالماء نجده يهتم بهذا الزبد الطافح
عليه، ألا يدل ذلك على قصر النظر؟! فليس النفع في الزبد ولكن النفع في الماء،
والزبد هو الشيء الظاهر، والإنسان يبحث غالبا عن الظاهر، وهو عادة يحب المظاهر،
فالزبد يمثل متع الحياة الدنيا وليست الحياة الدنيا بأفضل من الزبد، بل هي والزبد
سواء.
(مَنْ) اسم موصول للعاقل، ويبدو أن المراد
منه هنا مطلق الأشياء. وذلك لأن ما نسب إليه هو فعل العقلاء فلله يسجد من في
السماوات والأرض من الكائنات كالحيوان والإنسان، وغيرهما مما لا يعلمه إلا الله،
إنما تسجد لله خاضعة له بإرادتها فإن لم تسجد لله طوعا أسجدها الله له كرها،
والسجود بالنسبة للمكرهين تعبير عن الخضوع لأمره، فهذا الإنسان محكوم بقوانين
وضعها الله له في كل جوانب حياته، وبعد مماته.
(وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ) الغدو صباحا
مع شروق الشمس، والآصال مساء عند غروب الشمس، وهذا تعبير عن حركة الأرض حول الشمس،
والغدو والآصال هو بداية ونهاية نشوء الظل، فالظل يبتدئ طويلا فيأخذ بالقصر حتى
منتصف النهار، حيث ينعدم ويبدأ في الطول، حتى ينعدم نور الشمس، فهو يبتدئ طويلا،
وينتهي طويلا، وينعدم فيما بينهما. وهكذا تخضع الظلال لحركة الشمس المسخرة بدورها
لله سبحانه. أفلا يدلنا ذلك على سجود الطبيعة لله.
[16] (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلْ
اللَّهُ) ليس العجب في الظل بل في منشأ الظل، فكما قلنا: إن منشأ الظل هو
دوران الأرض حول الشمس، إذن فالعجب كل العجب في هذين الخلقين السماوات والأرض، من
ربهما ومسيرهما؟ بالطبع هو الله وحده.