الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ
ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ انطفأت ولم يبق أمامه إلا الدخان
والرماد وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ
إن الهداية نور أضاءه الله للإنسان، والمنافق كان قريباً من النور، وظاهريًّا آمن
به، وربما آمن به إيماناً صادقاً في لحظة طيبة من لحظات عمره، ولكنه كفر به بعدئذ
استجابة لضغط الشهوات واستسلاماً لإرادة طواغيت المجتمع الفاسد فذهب الله بنور
الهداية فماذا بقي غير الظلمات والعمى صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ
لا يَرْجِعُونَ انهم يفقدون كل مشاعرهم وقدراتهم. فهم يفقدون
القدرة على السماع، والقدرة على الكلام، والقدرة على النظر، وبالتالي القدرة على
العيش في الحياة. لأنهم فقدوا مشاعرهم وقدراتهم. فكيف يعيشون؟ إنهم يتيهون في
صحراء الفراغ إلى الأبد.
[19] ومثل ثالث يضربه الله عن واقع المنافق فلنتصور
الآن أننا في العراء حيث الليل والسحاب المتراكم. الظلام يلفنا، والرعد يهزنا خوفا
وهلعا .. إننا نلتمس نورا نمشي به. ماذا نفعل ننتظر بارقة في السماء تضيء لنا
الأرض فنمشي في ضوئها، ولكنها تبقى لحظات وتنتهي. بعضنا يتمسك بهدى البرق حين
يضيء؛ فيحاول اكتشاف الطريق، فإذا انطفأ استمر في المشي، ولكن البعض ليس هكذا،
إنه يمشي كلما أضاء البرق ويقف بعدئذ. ذلك مثل المؤمن والمنافق. المؤمن ينتفع بهدى
الوحي الذي يشبه برق السماء فيتمسك به، ولكن المنافق لا يتفاعل معه فيتيه في
الظلمات أَوْ كَصَيِّبٍ مِنْ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ
وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنْ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ
الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ.
[20] يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ
كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا
وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى
كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الحياة صحراء وشهواتها هي تلك
السحابة الكثيفة التي فيها ظلمات ورعد وبرق، ونحن فيها بحاجة إلى نور السماء يهبط
علينا كما يهبط الماء من السماء، ولكن علينا أن نتمسك بهذا النور حتى لا تضيع في
زحمة الحياة فنترك في الظلمات. وقد يغضب علينا ربنا فيسترد منا السمع والأبصار،
ولا نستطيع أن نتحرك في أمور حياتنا قيد أنملة لأنه محيط بنا، وقادر علينا. ولا
يجوز أن نغتر بما في الحياة من مظاهر القوة، فنحسب أنفسنا أقوياء من دون الله
سبحانه لأنه محيط بنا، وقادر على أخذنا بقوته أخذا شديدا.