اشتراط
كون جميع الأطراف داخلا في محل الابتلاء. والمراد به كونها في معرض تصرف
المكلف ليحسن التكليف بكل واحد منها، وهو أخص من القدرة، إذ المكلف قد يكون
قادرا على شيء الا انه لا داعي له الى ارتكابه، لخروجه عن معرض تصرفه،
كما إذا فرضنا العلم الإجمالي بنجاسة إناء الملك أو إناء نفسه، فان الشرب
في إناء الملك وان كان مقدورا ولو بإتعاب النفس، وتوسيط الوسائط، والتوسل
بخدم السلطان مثلا، الا انه لا داعي له إلى ذلك. والوجه في هذا الاشتراط:
استهجان التكليف بما يكون خارجا عن محل الابتلاء، لانه يعد لغوا في نظر
العرف.
و بعبارة أخرى: النهي عن شيء انما يكون في مرتبة المانع، ولا يستند عدم
الشيء إلى المانع الا بعد فرض وجود المقتضى له، فإذا فرضنا عدم تعلق ارادة
العبد بفعل شيء أبدا، فلم يكن المقتضى له موجودا، فلا محالة يستند عدمه
الى عدم المقتضى، لا المانع.
أقول: الصحيح هو عدم اعتبار هذا الشرط في التكاليف الشرعية زائدا على
اعتبار القدرة، لأن الغرض من النواهي الشرعيّة ليس مجرد حصول الترك في
الخارج وان كانت توصليّة-كما هو الحال في التكاليف العرفية-بل الغرض منها
هو الترك مع إمكان حصول الكمال النفساني بالتقرب منه تعالى بالامتثال،
ويكفي في حصول هذا الغرض مجرد القدرة على فعل الحرام وان لم تتعلق ارادة
العبد بفعله-عادة-لصحة استناد الترك اليه اختيارا، امتثالا لنهى المولى،
فمجرد إمكان الداعوية للنهى يكفي في حسنه وان لم يكن داعيا بالفعل. ومن هنا
صح النهى عن نكاح المحارم، وأكل القاذورات، والخبائث، ولحوم الإنسان وان
لم ترغب النفس فيها عادة.
و بالجملة: إذا كان الخروج عن محل الابتلاء ملازما للخروج عن