الیمین و ذات الشمال، بل وضع أمامه المنهج المستقیم محدّدا أبعاده و معالمه، مبیّنا عناصره و آفاقه، و کما یأتی:
(أولا) الدعوة الی التفکیر:
إنّ الدعوة الی التفکیر و امتلاک المنهج تأخذ بعدین فی نظر القرآن الکریم. أولهما:
دعوة الانسان الی تدبّر آیات الکون و صفحات الوجود و آفاقه، و ذلک من خلال
الکشف عن حقائقه المذهلة، و عرض تجلیّات القدرة الخلاقة، و صور الإبداع فی
هندسة الوجود، و هذا یعنی الحثّ علی التأمّل الجدّی، و تعقّل ما وراء ذلک.
قال تعالی: إِنَّ فِی خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ
اللَّیْلِ وَ النَّهارِ وَ الْفُلْکِ الَّتِی تَجْرِی فِی الْبَحْرِ بِما
یَنْفَعُ النَّاسَ وَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ
فَأَحْیا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَ بَثَّ فِیها مِنْ کُلِّ
دَابَّةٍ وَ تَصْرِیفِ الرِّیاحِ وَ السَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَیْنَ
السَّماءِ وَ الْأَرْضِ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ [1]، فهنا دعوة الی
النظر و الاستقصاء و التعقّل. و البعد الثانی: إنه یحدّد وظیفة الفرد
المسلم علی التعیین بضرورة التفکیر و یأمره صراحة بذلک. قال تعالی: قُلْ
سِیرُوا فِی الْأَرْضِ فَانْظُرُوا کَیْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ
یُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ ... [2]، و قال تعالی: وَ یَتَفَکَّرُونَ
فِی خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا [3]،
و قال تعالی: قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ [4]. و
هنا النظر و التدبّر علی سبیل الوجوب، و استنادا الی ذلک ذهب علماء الملّة
الإسلامیة الی (وجوب النظر) [5] أی الاستدلال و تحصیل البرهان فی