الرأس، أو الشیب فی الرأس. بل لا یوجب اللفظ حینئذ أکثر من ظهوره فیه فی الجملة. و وزان هذا، أن تقول «اشتعل البیت نارا» أو تقول «اشتعل النار فی البیت». فکم بینهما من فرق؟ قال:
و نظیر هذا التنزیل قوله عزّ و جلّ: وَ فَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُیُوناً
[1]. التفجیر للعیون فی المعنی، و أوقع علی الأرض فی اللفظ، کما أسند هناک
الاشتعال إلی الرأس، و قد حصل بذلک من معنی الشمول هاهنا مثل ما هناک. و
ذلک أنه أفاد أنّ الأرض قد صارت کلها عیونا، و أنّ الماء یفور من کل
جوانبها، أمّا لو قلنا: فجرنا عیون الأرض أو «العیون فی الأرض» لزال هذا
المغنی و زالت هذه الروعة فی المبالغة القریبة [2]. و نظیره فی الروعة
قوله تعالی- یصف العلاقة الجنسیة بأرفع اسلوب و بکلمة رقیقة مهذّبة فریدة
لا تجد لها مثیلا و لا بدیلا-: فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلًا
خَفِیفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُما
لَئِنْ آتَیْتَنا صالِحاً لَنَکُونَنَّ مِنَ الشَّاکِرِینَ [3]. إنها
استعارة من أبدع الاستعارات و أرفعها تعبیرا عن أمر یقبح التصریح به، کلمة
رقیقة مهذّبة، لم تعرفها العرب من ذی قبل، فجاءت طریفة فی نوعها و ظریفة فی
اسلوبها [4]. فقد استعیر التغشّی کنایة عن عمل جنسی، یشبع غریزة فطریة، و یحول (1) القمر: 12. (2) دلائل الاعجاز: ص 69- 70. (3) الأعراف: 189. (4) راجع محاولة الاستاد مصطفی محمود، ص 17.