و
ضرب ثان یشبه هذا الضرب، غیر أنّ الشبه فی صفة هی موجودة فی کل من
المستعار منه و المستعار له علی حقیقتها، سوی أنها فی المستعار منه أکمل و
أجلی، کما فی قولک: رأیت شمسا ترید إنسانا یتهلّل وجهه کرائعة الشمس. و
هکذا قولک: رأیت أسدا، ترید رجلا متّصفا بالشجاعة کالأسد المعروف بها فرونق
الوجه الحسن فی حسّ البصر مجانس لتلألؤ ضوء الأجسام النیّرة. و کذا حقیقة
الشجاعة التی عمودها انتفاء المخافة عن القلب، فلا یخامره وهن علی الاقدام و
لا خوف من العدوّ. الأمر الذی یشترک فیه الانسان الشجاع و الأسد اشتراکا
فی الحقیقة. و ضرب ثالث، و هو الصمیم الخالص من الاستعارة، و حدّه أن
یکون الشبه مأخوذا من الصور العقلیة، کاستعارة النور للبیان و الحجّة
الکاشفة عن الحق، المزیلة للشکّ، النافیة للریب. کما فی قوله تعالی: وَ
اتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِی أُنْزِلَ مَعَهُ [1] و کاستعارة الصراط
المستقیم للدین. إذ لیس بین النور- و هو من صفة الجسم و هو محسوس- و بین
الحجّة- و هو کلام- تناسب فی حقیقتیهما، إلّا أنّ القلب إذا وردت علیه
الحجّة صار فی حالة شبیهة بحال البصر اذا صادف النور و هو شبه لیس علی جنس،
و لا علی طبیعة و غریزة، و لا هیئة و صورة تدخل فی الخلقة، و إنّما هو
صورة عقلیة. قال: و هذا الضرب هو المنزلة التی تبلغ الاستعارة عندها
غایة شرفها، و یتسع لها المجال کیف شاءت فی تفنّنها و تصرّفها. و هاهنا
تخلص لطیفة روحانیة، فلا یبصرها إلّا ذوو الأذهان الصافیة، و العقول
النافذة، و الطباع السلیمة، و النفوس المستعدّة لأن تعی الحکمة، و تعرف فصل
الخطاب. (1) الأعراف: 157.