ثمّ
أنّ سلب العلوم یمکن تنزیله علی وجهین، أحدهما أن یقال: إنّ تلک العلوم
کانت حاصلة لهم علی جهة الاستمرار، لکن اللّه تعالی أزالها عن أفئدتهم و
محاها عنهم. و ثانیهما أن یقال: إنّ تلک العلوم ما کانت حاصلة لهم، خلا أنّ
اللّه تعالی صرف دواعیهم عن تجدیدها مخافة أن تحصل المعارضة. التفسیر
الثالث: أن یراد بالصرفة أنّ اللّه تعالی منعهم بالإلجاء علی جهة القسر عن
المعارضة، مع کونهم قادرین و سلب قواهم عن ذلک، فلأجل هذا لم تحصل من جهتهم
المعارضة، و حاصل الأمر فی هذه المقالة: أنّهم قادرون علی إیجاد المعارضة
للقرآن، إلّا أنّ اللّه تعالی منعهم بما ذکرناه ... [1]. و حاصل الفرق
بین هذه التفاسیر الثلاثة، أنّ الصرف- علی الأوّل-: عبارة عن عدم إثارة
الدواعی الباعثة علی المعارضة. کانوا مع القدرة علیها، و وفرة الدواعی
إلیها، خائری القوی و خاملی العزائم عن القیام بها، و هذا التثبیط من
عزائمهم و صرف إرادتهم، کان من لطیف صنعه تعالی، لیظهره علی الدین کلّه و
لو کره المشرکون. و علی التفسیر الثانی، کانوا قد أعوزتهم عمدة الوسائل
المحتاج إلیها فی معارضة مثل القرآن، و هی العلوم و المعارف المشتمل علیها
آیاته الحکیمة، حتّی أنّهم لو کانت عندهم شیء منها فقد أزیلت عنهم و محیت
آثارهم عن قلوبهم، أو لم تکن عندهم و لکنّهم صرفوا عن تحصیلها من جدید خشیة
أن تقوم قائمتهم بالمعارضة. و علی الثالث، أنّ الدواعی کانت متوفّرة، و
الاسباب و الوسائل المحتاج إلیها للمعارضة کانت حاضرة لدیهم، لکنّهم منعوا
عن القیام بالمعارضة منع إلجاء، و قد أمسک اللّه بعنان عزیمتهم قهرا علیهم
رغم الأنوف. قلت: و المعقول من هذه التفاسیر- نظرا لموقع أصحاب هذا
الرأی من الفضیلة و الکمال- هو التفسیر الوسط، لکن بمعنی أنّهم افتقدوا
وسائل المعارضة (1) الطراز: ج 3 ص 391- 392.