انحرفت عن جادة العقل و أخذت فی معاکسة الفطرة، فانّها مریضة، تشبیها لغیر المحسوس بالمحسوس. و
السبب فی هذا المرض الروحی هو التفریط فی عدم تموین الروح بما یلائمها من
غذاء سلیم فی هدی العقل الرشید. و کلما استبد صاحبه فی هذا الانعطاف غیر
الطبیعی، ازداد اعوجاجا عن الجادة الوسطی المستقیمة، و اقترابا إلی ملتویات
الطریق، و أخیرا إلی سقوط هائل فی مهاوی الضلال السحیق. فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [1]. و
لا شکّ أنّ الأخذ فی زیادة الانحراف کان باصرارهم علی العناد و اللجاج، و
تمکن إبلیس من قلوبهم و استحواذه علی مشاعرهم فهم لا یفقهون، غیر أنّ نسبة
ذلک إلی اللّه کانت بمناسبة أنّه- عزّ و جلّ- أقدرهم علی ذلک لحکمة التکلیف
و الاختبار لِئَلَّا یَکُونَ لِلنَّاسِ عَلَی اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ
الرُّسُلِ [2]. و من ثمّ قد نری نسبة ما یفعله الشیطان إلی اللّه تعالی،
لنفس السبب. قال تعالی: إِنَّ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ
زَیَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ [3]، مع أنّه قال تعالی: وَ زَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطانُ أَعْمالَهُمْ [4]. و قال: فَزَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطانُ أَعْمالَهُمْ [5]. و قال: وَ إِذْ زَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطانُ أَعْمالَهُمْ [6]. إلی غیرها من آیات. 6-
اللَّهُ یَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَ یَمُدُّهُمْ فِی طُغْیانِهِمْ یَعْمَهُونَ
[7]. فذکر أنّ الطغیان من فعله تعالی فیهم، مضافا إلی إسناد الاستهزاء إلی
نفسه تعالی، دلیلا علی أنّه یخلق فیهم هذه الأفعال! و الجواب: أنّ المد فی
الطغیان عبارة اخری عن الخذلان الذی استوجبوه لانفسهم مغبة لجاجهم فی
الجموح. بدلیل ما بعده من قوله: (1) الصف: 5. (2) النساء: 165. (3) النمل: 4. (4) العنکبوت: 38، و النمل: 24. (5) النحل: 63. (6) الانفال: 48. (7) البقرة: 15.