نعم،
الطرق الی معرفة مواقع النزول: أنّها کانت بمکة أو بالمدینة أو بغیرهما،
قلیل جدا، لأنّ الأوائل لم یعیروا هذه الناحیة المهمّة اهتماما معتدّا به،
سوی ما ذکروه فی عرض الکلام استطرادا، و هی استفادة ضئیلة للغایة، و من ثم
یجب لمعرفة ذلک ملاحظة شواهد و قرائن من لفظ الآیة أو استفادة من لهجة
الکلام، خطابا مع نوعیّة موقف الموجّه الیهم: أ کان فی حرب أم فی سلم، وعد
أم وعید، إرشاد أو تکلیف ...؟ فیما إذا أوجب ذلک علما أو حلّا قطعیّا
لمشکلة فی لفظ الآیة، کما فی قوله: «فَمَنْ حَجَّ الْبَیْتَ أَوِ اعْتَمَرَ
فَلا جُناحَ عَلَیْهِ أَنْ یَطَّوَّفَ بِهِما» [1]، فإنّ مشکلة دلالتها
علی مطلق الترخیص دون الإلزام و الإیجاب، تنحلّ بما أثّر فی سبب نزولها
[2]. الأمر الذی یوجب الثقة بصحة الأثر، مع غضّ النظر عن ملاحظة السند، و
من ثم فهی مدنیّة. قال الجعبری: لمعرفة المکیّ و المدنیّ طریقان: سماعیّ و قیاسیّ. فالسماعیّ
ما وصل إلینا نزوله بأحدهما. و القیاسیّ، قال علقمة عن ابن مسعود: کلّ
سورة فیها «یا أَیُّهَا النَّاسُ»* فقط، أو «کلا» أو أوّلها حروف تهجّ سوی
الزهراوین (البقرة و آل عمران) و الرعد- فی وجه- أو فیها قصة آدم و إبلیس
سوی الطولی (البقرة) أو فیها قصص الأنبیاء و الأمم الخالیة، فهی مکیّة. و
کلّ سورة فیها حدّ أو فریضة، فهی مدنیّة. و فی روایة: و کلّ سورة فیها: «یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا»* فهی مدنیّة. قال
الزرکشی: و هذا القول- الأخیر- إن أخذ علی اطلاقه ففیه نظر، فإنّ سورة
البقرة مدنیّة و فیها: «یا أَیُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّکُمُ» [3]، و
فیها: «یا أَیُّهَا النَّاسُ کُلُوا مِمَّا فِی الْأَرْضِ حَلالًا
طَیِّباً» [4]. و سورة النساء مدنیة و فیها: (1) البقرة: 158. (2) کان
المسلمون یتحرّجون السعی بین الصفا و المروة، زعما أنّها عادة جاهلیّة
تکریما بمقام أساف و نائلة، فنزلت الآیة دفعا لهذا الوهم. راجع مجمع
البیان: ج 1 ص 240. (3) البقرة: 21. (4) البقرة: 168.