مراقبة
المقربین، و هی مراقبة التعظیم و الاجلال، و هی أن یصیر القلب مستغرقا
بملاحظة الجلال،، و منکسرا تحت الهیبة، فلا یبقی فیه متسع للالتفات إلی
الغیر، و هذا هو الذی صار همه هما واحدا، و کفاه اللّه سائر الهموم،- و
اخراهما- مراقبة الورعین من أصحاب الیمین، و هم قوم غلب علیهم یقین اطلاع
اللّه علی ظهورهم و بواطنهم، و لکن لا تدهشهم ملاحظة الجلال و الجمال، بل
بقیت قلوبهم علی حد الاعتدال متسعة للالتفات إلی الأحوال و الاعمال و
المراقبة فیها، و غلب علیهم الحیاء من اللّه، فلا یقدمون و لا یجمحون إلا
بعد التثبت و یمتنعون عن کل ما یفتضحون به فی القیامة، فانهم یرون اللّه
مطلعا علیهم، فلا یحتاجون إلی انتظار القیامة. ثم ینبغی للعبد ألا یغفل عن
مراقبة نفسه و التضییق علیها فی لحظة من حرکاتها و سکناتها و خطراتها و
أفعالها. و حالاته لا تخلو عن ثلاثة: لأنه إما أن تکون فی طاعة، أو
معصیة، أو مباح. فمراقبته فی الطاعة، بالقربة، و الإخلاص، و الحضور، و
الاکمال، و حراستها عن الآفات، و مراعاة الأدب. و مراقبته فی المعصیة:
بالتوبة، و الندم، و الإقلاع، و الحیاء، و الاشتغال بالتکفیر. و مراقبته فی
المباح: بمراعاة الادب، بأن یأکل بعد التسمیة، و غسل الیدین، و سائر
الآداب المقررة فی الشرع للأکل، و یقعد مستقبل القبلة، و ینام بعد الوضوء
علی الید الیمنی مستقبل القبلة، و بالصبر عند ابتلائه بلیة و مصیبة، و
بالشکر عند کل نعمة، و یتذکر شهود المنعم و حضوره، و یکف النفس عن الغضب و
سوء الخلق عند حدوث أمر تمیل النفس عنده إلی الغضب و التضجر و التکلم بما
لا یحسن من الأقوال، فان لکل واحد من أفعاله و أقواله حدودا لا بد من
مراعاتها بدوام المراقبة، و من یتعد حدود اللّه فقد ظلم نفسه، و ینبغی ألا
جامع السعادات ج3 98 و ثانیها(المراقبة): ..... ص : 96