الصفات
بالحواس، بل یدرک بالبصیرة الباطنة، و کل هذه الخصال المدرکة حسنها بالعقل
محبوبة بالطبع، و الموصوف بها أیضا محبوب عند من عرف صفاته. و مما یدل
علی تحقق الجمال المدرک بالعقل و کونه محبوبا: أن الطباع السلیمة مجبولة
علی حب الأنبیاء و الأئمة- علیهم السّلام- مع أنهم لم یشاهدوهم، حتی أن
الرجل قد تجاوز حبه لصاحب مذهبه حد العشق، فیحمله ذلک علی أن ینفق جمیع
امواله فی نصرة مذهبه و الذب عنه، و یخاطر بروحه فی قتال من یطعن فی إمامه
أو متبوعه، مع أنه لم یشاهد قط صورته و لم یسمع کلامه، فما حمله علی الحب
هو استحسانه بصفاته الباطنة: من الورع، و التقوی، و التوکل، و الرضا، و
غزارة العلم، و الإحاطة لمدارک الدین، و انتهاضه لافاضة علم الشرع، و نشره
هذه الخیرات فی العالم، و جملتها ترجع الی العلم و القدرة، اذ جمیع الفضائل
لا تخرج عن معرفة حقائق الأمور و القدرة علی حمل نفسه علیها بقهر الشهوات،
و هما- اعنی العلم و القدرة- غیر مدرکین بالحواس، مع أنهما محبوبان
بالطبع. و من الشواهد علی المطلوب: أن الناس لما و صفوا (حاتما) بالسخاء
و (انو شیروان) بالعدالة، أحبهما القلوب حبا ضروریا، من دون نظرهم إلی
صورهما المحسوسة، و من غیر حظ ینالونه منهما، بل کل من حکی عنه بعض خصال
الخیر و صفات الکمال غلب علی القلوب حبه، مع عدم مشاهدته و یأس المحبین من
انتشار خیره و إحسانه إلیهم، و من کانت بصیرته الباطنة أقوی من حواسه
الظاهرة، و نور العقل اغلب علیه من آثار الحواس الحیوانیة، کان حبه للمعانی
الباطنة أکثر من حبه للمعانی الظاهرة، فشتان بین من یحب نقشا علی الحائط
لجمال صورته الظاهرة، و بین من یحب سید الرسل (ص) لجمال صورته الباطنة.
الخامس- محبته لمن بینه و بینه مناسبة خفیة، أو مجانسة معنویة،