کحب
الجمال و الحسن، فان کل جمال محبوب عند مدرکه، و ذلک لعین الجمال، لأن
ادراک الجمال عن اللذة، و اللذة محبوبة لذاتها لا لغیرها. و لا تظنن أن حب
الصورة الجمیلة لا یتصور إلا لأجل قضاء الشهوة، فان قضاء الشهوة لذة
حیوانیة قد یحب الإنسان الصور الجمیلة لأجلها، و أدراک نفس الجمال لذة أخری
روحانیة یکون محبوبا لذاتها. و لا ریب فی أن حب الصور الجمیلة بالجهة
الأولی مذموم، و بالجهة الثانیة ممدوح، و العشق الذی یقع لبعض الناس من
استحسان الصور الجمیلة یکون مذموما إن کان سببه اللذة الشهویة الحیوانیة، و
یکون ممدوحا إن کان سببه الابتهاج بمجرد ادراک الجمال، و لأجل التباس
السبب فی هذا العشق اختلف العقلاء فی مدحه و ذمه، و کیف ینکر حب الصور
الجمیلة لنفس جمالها من دون قصد حظ آخر، مع أن الخضرة و الماء الجاری
محبوبان لا لتؤکل الخضرة و یشرب الماء، أو ینال منهما حظ سوی نفس الرؤیة، و
قد کان رسول اللّه (ص) تعجبه الخضرة و الماء الجاری. و الطباع الصافیة
السلیمة قاضیة باستلذاذ النظر إلی الأنوار و الازهار و الأطیار الملیحة
الألوان الحسنة النفس المناسبة الشکل، حتی الإنسان لتنفرج عنه الغموم بمجرد
النظر إلیها من دون قصد حظ آخر منها. و بما ذکرناه ظهر ضعف ظن بعض ضعفاء
العقول، حیث زعموا أنه لا یتصور أن یحب الإنسان غیره لذاته، ما لم یرجع منه
حظ الی المحب سوی ادراک ذاته، و لم یعلموا أن الحسن و الجمال لیس مقصورا
علی مدرکات البصر، و لا علی تناسب الخلقة، إذ یقال: هذا صوت حسن، و هذا طعم
حسن، و هذا ریح طیب، و لیس شیء من هذه الصفات مدرکة بالبصر، و کذا لیس
الحسن و الجمال مقصورا علی مدرکات الحواس، لوجودهما فی غیرها، فان أکثر
خصال الخیر یدرک بالعقل بنور البصیرة الباطنة، إذ یقال: هذا خلق حسن، و هذا علم حسن، و هذه سیرة حسنة، و لا یدرک شیء من هذه