أیضا
قبل، مع أنه أعلم منی، فلا ریب فی أنه جهل و سفه، لأنه اعتذر بالاقتداء
بمن لا یجوز الاقتداء به. فان من خالف اللّه لا یقتدی به کائنا من کان، فلو
دخل غیره النار و هو یقدر علی عدم الدخول فهل یقتدی به فی الدخول، و لو
دخل عد سفیا أحمق، ففعله معصیة، و عذره غیبة و غباوة، فجمع بین المعصیتین و
الحماقة، و مثله کمثل الشاة، اذا نظرت الی العنز تردی نفسها من الجبل فهی
أیضا تردی نفسها، و لو کان لها لسان ناطق و اعتذرت عن فعلها بأن العنز اکیس
منی و قد اهلکت نفسها فکذلک فعلت أنا، لکان هذا المغتاب المعتذر یضحک
علیها، مع أن حاله مثل حالها و لا یضحک علی نفسه. و العجب أن بعض
الأشقیاء من العوام، لما صارت قلوبهم عش الشیطان و صرفوا أعمارهم فی
المعاصی، و اشتغلت ذممهم بمظالم الناس بحیث لا یرجی لهم الخلاص، مالت
نفوسهم الخبیثة إلی ألا یکون معاد و حساب و حشر و عقاب، و لما وجد ذلک
المیل منهم اللعین، خرج من الکمین، و وسوس فی صدورهم بأنواع الشکوک و
الشبهات، حتی ضعف بها عقائدهم أو افسدها، و دعاهم فی مقام الاعتذار عن
أعمالهم الخبیثة ألا یصرحوا بما ارتکز فی قلوبهم و یشتهونه، خوفا من القتل و
أجراء أحکام الکفار علیهم و لم یدعهم أیضا تلبیسهم و تزویرهم و غلبة
الشیطنة علیهم أن یعترفوا بالنقص و سوء الحال فحملهم الشیطان باغوائه علی
أن یعتذروا من سوء فعالهم بأن بعض العلماء یفعلون ما نفعل و لا یجتنبون عن
مثل أعمالنا، من طلب الرئاسة و أخذ الأموال المحرمة، و لم یدروا أن هذا
القول ناش من جهلهم و خباثتهم. إذ تقول لهم: إن فعل هذا البعض إن صار
منشأ لزوال ایمانکم بالمعاد و الحساب، فأنتم کافرون، و باعث أعمالکم
الخبیثة هو الکفر و عدم الاذعان بأحوال النشأة الآخرة. و إن لم یصر منشأ
له، بل ایمانکم ثابت،