الرسل بالاستقامة فی قوله تعالی: فَاستَقِم کَما أمِرتَ [1] قال شیبتنی سورة هود علیه السلام، إذ وجد أن الوسط الحقیقی فیما بین الأطراف الغیر المتناهیة المتقابلة مشکل، و الثبات علیه بعد الوجدان أشکل. و
قال (المحقق الطوسی) و جماعة: «إن ما ورد فی إشارات النوامیس من أن الصراط
المستقیم أدق من الشعر، و أحد من السیف إشارة إلی هذا المعنی» و غیر خفی
بأن هذا التأویل جرأة علی الشریعة القویمة، و هتک لأستار السنة الکریمة، و
الواجب الإذعان بظاهر ما ورد من أمور الآخرة نعم یمکن أن یقال کما مر: إن
الأمور الأخرویة التی حصل بها الوعد و الوعید کلها أمور محققة ثابتة علی ما
أخبر به، إلا أنها صور للأخلاق، و الصفات المکتسبة فی هذه النشأة قد ظهرت
بتلک الصور فی دار العقبی بحسب المرتبة، إذ ظهورات الأشیاء مختلفة بحسب
اختلاف المراتب و النشآت فمواد ما یؤذی و یریح من الصور فی موطن المعاد
انما هو الأخلاق و النیات المکتسبة فی هذه النشأة. و هذا المذهب بما استقر
علیه آراء أساطین الحکمة و العرفان، و ذکرنا الظواهر الدالة علیه من الآیات
و الأخبار، و أشرنا إلی حقیقة الحال فیه. و علی هذا فالصراط المستقیم
الممدود کالجسر علی الجحیم صورة لتوسط الأخلاق، و الجحیم صورة لأطرافها،
فمن ثبت قدمه علی الوسط هنا لم یزل عن الصراط هناک و وصل إلی الجنة التی
وعدها اللّه المتقین، و من مال إلی الأطراف هنا سقط هناک فی جهنم التی
أحاطت بالکافرین.(1) هود الآیة: 112.