وَ أَضَلُّ سَبِیلاً [1]. ثم
ما لم تحصل التخلیة لم تحصل التحلیة و لم تستعد النفس للفیوضات القدسیة،
کما أن المرآة ما لم تذهب الکدورات عنها لم تستعد لارتسام الصور فیها، و
البدن ما لم تزل عنه العلة لم تتصور له إفاضة الصحة، و الثوب ما لم ینقّ عن
الأوساخ لم یقبل لونا من الألوان، فالمواظبة علی الطاعات الظاهرة لا تنفع
ما لم تتطهر النفس من الصفات المذمومة کالکبر و الحسد و الریاء، و طلب
الریاسة و العلی و إرادة السوء للأقران و الشرکاء، و طلب الشهرة فی البلاد و
فی العباد، و أی فائدة فی تزیین الظواهر مع إهمال البواطن، و مثل من یواظب
علی الطاعات الظاهرة و یترک تفقد قلبه کبئر الحش [2] ظاهرها جص و باطنها
نتن، و کقبور الموتی ظاهرها مزینة و باطنها جیفة، أو کبیت مظلم وضع السراج
علی ظاهره فاستنار ظاهره و باطنه مظلم، أو کرجل زرع زرعا فنبت و نبت معه
حشیش یفسده فأمر بتنقیة الزرع عن الحشیش بقلعه عن أصله فأخذ یجز رأسه و
یقطعه فلا یزال یقوی أصله و ینبت، فإن الأخلاق المذمومة فی القلب هی مغارس
المعاصی فمن لم یطهر قلبه منها لم تتم له الطاعات الظاهرة، أو کمریض به جرب
و قد أمر بالطلاء لیزیل ما علی ظهره و یشرب الدواء لیقلع مادته من باطنه
فقنع بالطلاء و ترک الدواء متناولا ما یزید فی المادة فلا یزال یطلی الظاهر
و الجرب(1) الإسراء الآیة 72. (2)
الحش بالفتح أو الضم ثم التشدید و الفتح أکثر من الضم: المخرج و موضع
الحاجة و أصله من الحش بمعنی البستان، لأنهم کانوا یتغوطون فی البساتین،
فلما اتخذوا الکنیف اطلقوا علیها الاسم مجازا، فالمراد هنا من بئر الحش
خزانة الکنیف.