إلیه،
إلا أن العاقل إذا تأمل یجد أن ما فقد عنه من الأشیاء الضروریة إن أمکن
رده و الوصول إلیه یمکن ذلک بدون الغیظ و الغضب أیضا، و إن لم یمکن لم یمکن
معهما أیضا. و علی أی حال بعد التأمل یعلم أن الغضب لا ثمرة له سوی تألم
العاجل و عقوبة الآجل، و حینئذ لا یغضب، و إن غضب یدفعه عن نفسه بسهولة.
(الثانی عشر) أن یعلم أن اللَّه یحب منه ألا یغضب،
و الحبیب یختار البتة ما یحب محبوبه، فإن کان محبا للَّه فلیطفئ شدة حبه له غضبه.
(الثالث عشر) أن یتفکر فی قبح صورته و حرکاته عند غضبه،
بأن یتذکر صورة غیره و حرکاته عند الغضب.
و منها: الکبر
اشارة
و قد عرفت: أنه الرکون إلی رؤیة النفس فوق الغیر، و بعبارة أوضح: هو
عزة و تعظیم یوجب رؤیة النفس فوق الغیر و اعتقاد المزیة و الرجحان علیه،
فهو یستدعی متکبرا علیه. و به ینفصل عن العجب، إذ العجب مجرد استعظام النفس
من دون اعتبار رؤیتها فوق الغیر، فالعجب سبب الکبر و الکبر من نتائجه. ثم
الکبر- أی العزة الموجبة لرؤیة النفس فوق الغیر- هو خلق الباطن یقتضی
أعمالا فی الظاهر هی ثمراته، و تسمی تلک الأعمال الظاهرة الصادرة منه
تکبرا، و لذا من تعزز و رأی نفسه باطنا فوق الغیر، من دون صدور فعل علی
جوارحه، یقال له (کبر)، و إذا ظهرت الأعمال یقال له (تکبر) و هذه الأعمال
الظاهرة التی هی ثمرات خلق الکبر أفعال و أقوال توجب تحقیر الغیر و الإزراء
به، کالترفع عن مؤاکلته و مجالسته، و الاستنکاف عن مرافقته و مصاحبته، و
إبعاده عن نفسه، و إبائه عن الجلوس بجنبه، و انتظاره أن یسلم علیه، و توقعه
أن یقوم ماثلا بین یدیه، و الاستنکاف من قبول وعظه، و تعنیفه فی إرشاده و
نصحه، و تقدمه علیه فی المحافل و الطرقات، و عدم الالتفات إلیه فی
المحاورات، و توقع التقدیم علیه فی کل ما یدل علی التعظیم عرفا. و بالجملة،
الأعمال الصادرة عن الکبر کثیرة، و لا حاجة إلی إحصائها، لکونها مشهورة
معروفة، و من جملتها الاختیال فی المشی و جر الثیاب، إذ فاعلهما یری نفسه
فوق الأکثر و یقصد بهما استحقارهم، فهما یقتضیان متکبرا علیه، فیکونان من
أنواع التکبر، و ما ورد فی ذمهما یدل