اللَّه
الموقدة، إلا أنها لا تطلع إلا علی الأفئدة، و إنها لمستکنة فی طی الفؤاد
استکنان الجمر تحت الرماد، و تستخرجها حمیة الدین من قلوب المؤمنین، أو
حمیة الجاهلیة و الکبر الدفین من قلوب الجبارین، التی لها عرق إلی الشیطان
اللعین، حیث قال: خَلَقتَنی مِن نارٍ وَ خلَقتَه مِن طِینٍ [1]. فمن شأن الطین السکون و الوقار، و من شأن النار التلظی و الاستعار». ثم
قوة الغضب تتوجه عند ثورانها إما إلی دفع المؤذیات إن کان قبل وقوعها أو
إلی التشفی و الانتقام إن کان بعد وقوعها، فشهوتها إلی أحد هذین الأمرین و
لذتها فیه، و لا تسکن إلا به. فإن صدر الغضب علی من یقدر أن ینتقم منه، و
استشعر باقتداره علی الانتقام، انبسط الدم من الباطن إلی الظاهر، و احمر
اللون، و هو الغضب الحقیقی. و إن صدر علی من لا یتمکن أن ینتقم منه لکونه
فوقه، و استشعر بالیأس عن الانتقام. انقبض الدم من الظاهر إلی الباطن، و
صار حزنا. و إن صدر علی من یشک فی الانتقام منه انبسط الدم تارة أو انقبض
أخری، فیحمر و یصفر و یضطرب.
فصل الإفراط و التفریط و الاعتدال فی قوة الغضب
الناس فی هذه القوة علی إفراط و تفریط و اعتدال. فالإفراط: أن تغلب هذه
الصفة حتی یخرج عن طاعة العقل و الشرع و سیاستهما، و لا تبقی له فکرة و
بصیرة. و التفریط: أن یفقد هذه القوة أو تضعف بحیث لا یغضب عما ینبغی الغضب
علیه شرعا و عقلا. و الاعتدال: أن یصدر غضبه فیما ینبغی