قد عرفت أن الثبات أخص من کبر النفس، و هو ملکة التحمل علی الخوض فی
الأهوال، و قوة المقاومة مع الشدائد و الآلام، بحیث لا یعتریه الانکسار، و
إن زادت و کثرت. و ضده الاضطراب فی الأهوال و الشدائد، و من جملة الثبات
الثبات فی الإیمان، و هو اطمئنان النفس فی عقائدها، بحیث لا یتزلزل فیها
بالشبهات، قال اللّه تعالی: یُثبِّتُ اللَّهُ الَّذِینَ آمَنُوا بِالقَولِ الثَّابتِ فی الحَیوةِ الدنیا وَ فی الآخِرةِ [1]. و
هذا الاطمئنان من شرائط کسب الکمال و فضائل الأعمال، إذ ما لم تستقر النفس
علی معتقداتها فی المبدإ و المعاد لم یحصل لها العزم البالغ علی تحصیل ما
یتوقف فائدته علیها فمن لیس له هذا الثبات لا تجده ثابتا و مواظبا علی شیء
من الأعمال الفاضلة، بل هو: کالَّذِی استَهوَتهُ الشَیاطِینُ فی الأرضِ حَیرانَ [2]. و
المتصف به مواظب لها دائما من غیر فتور. و عدم هذا الثبات لعدم البصیرة
الباطنة أو لضعف فی النفس. فوجوده یحصل من المعرفة و قوة النفس، فهو من
فضائل العاقلة و قوة الغضب، و عدمه من رذائل إحداهما أو کلیهما،