و
أما من لم ینشرح بنور اللّه صدره، قصرت بصیرته عن ملاحظة جبار السماوات و
الأرض و مشاهدة کونه وراء الکل، فوقف فی الطریق علی بعض المسخرات، و هو جهل
محض. و غلطه فی ذلک کغلط النملة مثلا لو کانت تدب علی الکاغد فتری رأس
القلم یسود الکاغد، و لم یمتد بصرها إلی الأصابع و الید، فضلا عن صاحب
الید، و ظنت أن القلم هو المسود للبیاض، و ذلک لقصور بصرها عن مجاوزة رأس
القلم لضیق حدقتها.
فصل مناجاة السر لأرباب القلوب)
قال بعض العارفین [1]: أرباب القلوب و المشاهدات قد انطلق اللّه فی حقهم
کل ذرة فی الأرض و السماوات بقدرته التی أنطق بها کل شیء، حتی سمعوا
تقدیسها و تسبیحها و شهادتها علی نفسها بالعجز، بلسان الواقع الذی هو لیس
بعربی و لا أعجمی و لیس فیه حرف و صوت، و لا یسمعه أحد إلا بالسمع العقلی
الملکوتی دون السمع الظاهر الحسی الناسوتی، و هذا النطق الذی لکل ذرة من
الأرض و السماوات مع أرباب القلوب إنما هو (مناجاة السر)، و ذلک مما لا
ینحصر و لا یتناهی، فإنها کلمات تستعد [2] من بحر کلام اللّه الذی لا نهایة
له:
(1) المقصود به (أبو حامد
الغزالی) فی إحیاء العلوم، راجع الجزء الرابع ص 114 المطبوع بالمطبعة
العثمانیة بمصر سنة 1352، و ستری أن هذه الفصول مقتبسة منه بتغییر فی
العبارة و تقدیم و تأخیر. و کذلک هذا الفصل المنقول عنه فیه تغییر و اختصار
کثیر، و صاحب الکتاب اعترف- فیما سیأتی- باقتباس هذه الفصول من الغزالی. (2) و فی نسختنا الخطیة: (لأنها کلام یستمد)، و لکن الموجود فی المطبوعة و فی نسخة إحیاء العلوم کما أثبتناه فی المتن.