عمله و وجهته:

کانت وجهته فی کل عمل عمله أو حاوله هی المنفعة العامة. فأول شی‌ء ولاه وجهه هو إنشاء جریدة فی بلاد لم تکن تعرف الجرائد الأهلیة و لم تکن بضاعة الکتاب رائجة فیها، و لو کان فی بلاده حریة للجرائد لکان له فی (الشهباء) الأثر المحمود، و لکن البلاد التی تحکم بالاستبداد کالأرض الموبوءة لا تحیا فیها الجرائد، و لذلک لم تنجح جریدة من الجریدتین اللتین أنشأهما، لأن نفسه الأبیة لم تستطع إرضاء الحکام فیما یکتبه، و هکذا کان شأنه فی وظائفه.
ولی ریاسة البلدیة، فکان أول عمل عمله للبلد أن وضع علی طرق المدینة من خارجها سلاسل من الحدید تمنع الجمال التی کانت تسد الطرقات و تمنع المارین من التردد فی حوائجهم، و جعل لهذه الجمال التی تحمل إلی البلد و منه مکانا أو أمکنة مخصوصة.
و کانت مصلحة القبّان قد حصرت فی واحد من الأغنیاء یأخذها من البلدیة بالالتزام و لا یتجاسر علی الزیادة علیه أحد لتقربه من الرؤساء، فلما علم أن الرئیس الجدید لا یصده التقرب إلیه عن خدمة المصلحة عرض علیه أربعین ألف قرش أو أکثر یعطیه إیاها رشوة کل عام فی مقابلة سکوته عنه، فلم یقبل الفقید أن یأخذ لنفسه شیئا، و لکنه قبل أن یکون المبلغ إعانة لصندوق البلدیة، فعلم الوالی بهذه الزیادة فی الصندوق و سعی فی أن یکون له سهم منها، فأبی علیه الفقید ذلک فعزله.
و هکذا کانت سیرته مع الحکام فی کل وظائفه أو جلها، یتصرف للإصلاح فیصدونه عنه لأجل منفعة مالیة أو لتقلیل نفوذه فلا یتم له عمل.
و کل أول عمل عمله فی إدارة مجلس البلدیة هو قطع عرق الرشوة من العمال الذین یباشرون الأعمال و المصالح و یسمون (الجاویشیة) و لکنه زاد فی راتبهم لعلمه بأن الذی یضطر أکثر العمال إلی الرشوة هو قلة الراتب.