إصلاح الملک الظاهر غازی لمجری قناة حلب‌

قال: لما کانت سنة خمس و ستمائة سیّر الملک الظاهر غیاث الدین غازی إلی دمشق فأحضر صناعا و خرج بنفسه و أوقفهم علی أصل هذه القناة التی تخرج من حیلان، و أمرهم باعتبار الماء الخارج منها و اعتبار ما یصل منه إلی حلب، فاختبروا ذلک فرأوا أن مقدار الخارج من أصل القناة مائة و ستون إصبعا و مقدار الداخل إلی حلب عشرون إصبعا لا غیر، و ضمنوا له أن یکفوا جمیع سکک حلب و شوارعها و دورها و مدارسها و ربطها و حماماتها، و یفضل منه کثیر یصرف إلی البساتین و الأراضی. فشرع الملک الظاهر فی ذلک و بدأ أولا بإصلاح المجری من حیلان إلی حلب، و باشر ذلک بنفسه و أحضر إلیها جمیع الأمراء فضربوا خیامهم علی حافتها، ثم أمر بذرعها من حیلان إلی باب حلب فکانت المسافة خمسة و ثلاثین ألف ذراع بذراع النجّارین و هو ذراع و نصف. قلت (القائل ابن الشحنة): و لعله کان فی ذلک الحین کذلک، و أما الآن فهو ذراع و سدس. قال: ثم قسم ذلک قطعا علی الأمراء و عیّن لکل أمیر صناعا و فعلة و حمل إلیهم الکلس و الزیت و الأحجار و الآجر فأصلحت جمیعها و جدد طریقها إلی البلد، و کلّس مخارج الماء فیه فکثر، و کانت منکشفة لا سقف لها فقطع لها الطوابق من الصخور الصلبة و طبقها جمیعها إلا مواضع جعلها برسم تنقیتها و شرب الماء منها، و أجری جمیع المجری إلی باب حلب فی ثمانیة و خمسین یوما، و لما اتصلت بالبلد أمر ببناء القساطل و أجری الماء فیها حتی عمت أکثر البلد، و اتخذ البرک فی الدور، و وصل ماء القناة فی أیامه إلی مواضع من البلد لم یسمع بوصولها إلیها حتی إنها سیقت إلی الحاضر السلیمانی (الکلّاسة و المغایر و ما بینهما و ما کان عامرا فی تلک النواحی). فقال أبو المظفر محمد بن محمد الواسطی المعروف بابن سنینیر یمدحه لما فعل من هذه المکرمة التی عم نفعها و شاع برها و صنعها: