ذکر فتح بکاس و الشّعر و سرمانیة

قال القاضی ابن شداد: ثم رحل و سرنا حتی أتینا سادس جمادی الآخرة بکاس، و هی قلعة حصینة علی جانب العاصی و لها نهر یخرج من تحتها، و کان النزول علی شاطی‌ء العاصی، و صعد السلطان جریدة إلی القلعة، و هی علی جبل یطل علی العاصی فأحدق بها من کل جانب و قاتلها قتالا شدیدا بالمنجنیقات و الزحف المضایق إلی تاسع الشهر، و یسر اللّه فتحها عنوة و أسر من فیها بعد قتل من قتل منهم و غنم جمیع ما کان فیها، و کان له قلعة تسمی الشغر و هی فی غایة المنعة لیس إلیها طریق، فسلطت علیها المنجنیقات من الجوانب و رأوا أنهم لا ناصر لهم فطلبوا الأمان فی الثالث عشر، و سألوا أن یؤخروا ثلاثة أیام لاستئذان من بأنطاکیة فأذن لهم فی ذلک. و کان تمام فتحها و صعود العلم السلطانی علیها یوم الجمعة سادس عشر.
ثم عاد السلطان إلی الثقل و سیر ولده الملک الظاهر إلی قلعة سرمانیة فقاتلها قتالا شدیدا و ضایقها مضایقة عظیمة و تسلمها یوم الجمعة الثالث و العشرین من الشهر، فاتفقت فتوحات الساحل من جبلة إلی سرمانیة فی أیام الجمع و هی علامة قبول دعاء الخطباء المسلمین و سعادة السلطان حیث یسر اللّه له الفتوح فی الیوم الذی یضاعف فیه ثواب الحسنات، و هذا من نوادر الفتوحات فی الجمع المتوالیة و لم یتفق مثلها فی تاریخ اه.
و قال ابن الأثیر: سار صلاح الدین عن صهیون ثالث جمادی الآخرة فوصل إلی قلعة بکاس فرأی الفرنج قد أخلوها و تحصنوا بقلعة الشغر، فملک قلعة بکاس بغیر قتال، و تقدم إلی قلعة الشغر و هی و بکاس علی الطریق السهل المسلوک إلی اللاذقیة و جبلة و البلاد التی افتتحها صلاح الدین من بلاد الشام الإسلامیة، فلما نازلها رآها منیعة حصینة لا ترام