و أعجب الأشياء أنّه لو وقف إنسان على قبر مجهول و قال: هذا قبر أبي
رجع فيه إليه، و يقول أهل بيته المعصومون: انّ هذا قبر والدنا و لا يقبل منهم؟! و
يكون الأجانب الأباعد المناوون أعلم به؟! انّ هذا من غريب القول، فأهله و أعيان
خواصّه أولى بالمعرفة و أدرى و هو أوضح، و الأئمّة المعصومون عليهم السّلام لو
أشاروا إلى قبر أجنبيّ لقلّدوا فيه و كيف لا!؟ و هم الأئمّة و الأولاد فلهم
أرجحيّة من جهتين.
و هذا القدر كاف فانّ ما قلّ و دلّ أولى ممّا كثر فملّ.
أما المقدمة الثانية ففي السبب الموجب لا خفاء قبره عليه السّلام.
قد تحقّق و علم ما كان قد جرى لأمير المؤمنين عليه السّلام من
الوقائع العظيمة الموجبة للشّحناء، و العداوة الشّديدة و البغضاء، و الحقّ مرّ و
ذلك في أيّام النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و من حيث قتل عثمان يوم الغدير سنة
خمس و ثلاثين أوّلها الجمل و ثانيها صفّين و ثالثها النّهروان و أدّى ذلك إلى خروج
أهل النّهروان عليه و تديّنهم بمحاربته و بغضه و سبّه و قتل من ينتمي إليه كما جرى
لعبد اللَّه بن خبّاب بن الأرتّ و زوجته و هؤلاء يعلمونه تديّنا حتّى أنّهم سبّوا
عثمان من جهة تغييره في السّنين السّتّ من ولايته فاقتضى ذلك عندهم سبّه و سبّ
عليّ عليه السّلام لتحكيمه، و عذره في ذلك عذر النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله في
يوم قريظة، فقتله عبد الرّحمن بن عمرو بن يحيى بن عمرو بن ملجم لعنه اللَّه و
القصّة مشهورة، و لمّا احضر ليقتل قال عبد اللَّه بن جعفر الطّيّار[1]: دعوني أشفي بعض ما في نفسي عليه، فدفع إليه فأمر بمسمار فاحمي
بالنّار ثمّ كحله به فجعل ابن ملجم- لعنه اللَّه- يقول: تبارك الخالق الإنسان من
علق؛ يا ابن أخي انّك لتكحل بمرود
[1]نص عبارة فرحة الغري هنا (ص 10 طبعة
النجف؛ س 3، و ص 5؛ س 16 من النسخة الحجرية المطبوعة بطهران سنة 1311): «و لما أحضر ليقتل
قال الثقفي في كتاب مقتل- أمير المؤمنين عليه السّلام و نقلته من نسخة عتيقة
تاريخها خمس و خمسين و ثلاث مائة و ذلك على أحد القولين أن عبد اللَّه بن جعفر
قال» و تكلمنا عليه في مقدمة الكتاب فراجع ان شئت.