هذه الطّبقة، فقيل له: فعلى كلّ حال؟- قال: و اللَّه لو صاح في
وجوههما لماتا قبل أن يحمل عليهما: و خرج أفصح من سحبان و قس و لم تكن قريش بأفصح
العرب، كان غيرها أفصح منها؛ قالوا: أفصح العرب جرهم و ان لم تكن لهم نباهة، و خرج
أزهد الناس في الدنيا و أعفهم مع أنّ قريشا ذوو حرص و محبّة للدّنيا، و لا غرو
فيمن كان محمّد صلّى اللَّه عليه و آله مربّيه و مخرجه، و العناية الإلهيّة تمدّه
و ترفده أن يكون منه ما كان.
ثم قال:
يقال: احتسب ولده؛ إذا مات كبيرا، و افترط ولده؛ إذا مات صغيرا.
قوله:
فمنهم الآتي؛ قسم جنده أقساما فمنهم من أجابه و خرج كارها للخروج كما
قال تعالى:كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَ هُمْ يَنْظُرُونَ، و منهم من قعد و اعتلّ بعلّة كاذبة كما قال تعالى:يَقُولُونَ إِنَّ
بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَ ما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً، و منهم من تأخّر و صرّح بالقعود و الخذلان كما قال تعالى:فَرِحَ
الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَ كَرِهُوا أَنْ
يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، و المعنى أنّ حاله كانت مناسبة لحال النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله
و سلّم، و من تذكّر و تدبّر أحوالهما و سيرتهما و ما جرى لهما إلى أن قبضا علم
تحقيق ذلك.
ثمّ أقسم أنّه لو لا طمعه في الشّهادة لما أقام مع أهل العراق و لا
صحبهم.
فان قلت: فهلّا خرج إلى معاوية وحده من غير جيش ان كان يريد
الشّهادة؟
قلت: ذلك لا يجوز لأنّه إلقاء النّفس الى التّهلكة، و للشّهادة شروط
متى فقدت فقدت؛ فلا يجوز أن تحمل احدى الحالتين على الأخرى».