بالّذي بقي عندها من العنز فطعموا و أخرجوا سفرهم فقال عبد اللَّه:
ما بنا الى طعامكم حاجة سائر اليوم فلمّا أراد أن يرتحل دعا مولاه الّذي كان يلي
نفقته فقال: هل معك من نفقتنا شيء؟- قال: نعم، قال: كم هو؟- قال: ألف دينار، قال:
أعطها خمسمائة و احتبس لنفقتك باقيها، فدفع المال اليها فأبت أن تقبل، فلم يزل عبد
اللَّه يكلّمها و هي تقول: اي و اللَّه أكره عذل بعلي فطلب اليها عبد اللَّه حتّى
قبلت فودّعها و ارتحل هو و أصحابه فلم يلبث أن استقبله أعرابيّ يسوق إبلا له فقال
عبد اللَّه: ما أراه الّا المحذور فلو انطلق بعضكم فعلم لنا علمه ثمّ لحقنا،
فانطلق بعض أصحابه راجعا متنكّرا حتّى نزل قريبا منه فلمّا أبصرت المرأة الأعرابيّ
مقبلا قامت اليه تتفدّاه و تقول: بأبي أنت و أمّي:
توسّمته لمّا رأيت مهابة
عليه
فقلت المرء من آل هاشم
و الّا فمن آل المرار فانّهم
ملوك
ملوك من ملوك أعاظم
فقمت الى عنز بقيّة أعنز
لأذبحها
فعل امرئ غير نادم
فعوّضني منها غناء و لم يكن
يساوي
لحيم العنز خمس دراهم
بخمس مئين من دنانير عوّضت
من
العنز ما جادت به كفّ آدمي
ثمّ أظهرت الدّنانير له و قصّت عليه القصّة فقال: بئس لعمر اللَّه
معقل الأضياف كنت، أ بعت معروفك بما أرى من الأحجار؟! قالت: انّي و اللَّه قد كرهت
ذلك و خفت العذل، قال: و هذه لم تخافي العار و خفت العذل؟! كيف أخذ الرّكب فأشارت
له الى الطّريق قال: و هذا يعنى الرّجل الّذي أرسله عبد اللَّه؟ فقال: اسرجي لي
فرسي قالت: تصنع ما ذا؟- قال: ألحق القوم فان سلّموا اليّ معروفي و الّا حاربتهم
قالت:
أنشدك اللَّه أن تفعل فتسوأهم فأقبل عليها ضربا و قال: ركنت الى
امحاق المعروف، فركب فرسه و أخذ رمحه، فجعل الرّجل صاحب عبد اللَّه يسير معه و
يقول له: ما أراك تدرك القوم فقال: و اللَّه لآتينّهم و لو بلغوا كذا و كذا فلمّا
رأى الرّجل أنّه غير منته قال: على رسلك أدرك لك القوم و أخبرهم خبرك، فتقدّم
الرّجل فأخبر ابن جعفر و قصّ عليه القصّة فقال عبد اللَّه: قد كانت المرأة حذرة من
الشّؤم ثمّ لحقهم الأعرابيّ