النّار[1]؛ألا و إنّكم في
أيّام مهل من ورائه أجل يحثه عجل، فمن عمل في أيّام مهلة قبل حضور أجله نفعه عمله
و لم يضرّه أمله، ألا و إنّ الأمل يسهى القلب و يكذب الوعد و يكثر الغفلة و يورث
الحسرة، فاعزبوا عن الدّنيا كأشدّ ما أنتم عن شيء
[1]قال الرضى- رضى اللَّه عنه- في ذيل
الخطبة ما نصه:
«وأقول: انه لو كان كلام يأخذ بالأعناق الى الزهد في الدنيا و يضطر
الى عمل الاخرة لكان هذا الكلام، و كفى به قاطعا لعلائق الامال و قادحا زناد
الاتعاظ و الازدجار، و من أعجبه
قوله عليه السّلام: «ألاو ان اليوم المضمار و غدا السباق و السبقة الجنة و الغاية النار».
فان فيه مع فخامة اللفظ و عظم قدر المعنى و صادق التمثيل و واقع
التشبيه سرا عجيبا و معنى لطيفا و هو
قوله عليه السّلام: «والسبقة الجنة و الغاية النار».
فخالف بين اللفظين لاختلاف المعنيين المفسرين و لم يقل: السبقة
النار، كما قال: السبقة الجنة، لان الاستباق انما يكون الى أمر محبوب و غرض مطلوب
و هذه صفة الجنة و ليس هذا المعنى موجودا في النار نعوذ باللَّه منها فلم يجز أن
يقول: و السبقة النار بل قال: و الغاية النار لان الغاية قد ينتهى اليها من لا
يسره الانتهاء اليها و من يسره ذلك فصلح أن يعبر بها عن الأمرين معا فهي في هذا
الموضع كالمصير و المآل قال اللَّه تعالى:قُلْ تَمَتَّعُوا
فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ،و لا يجوز في هذا
الموضع ان يقال: فان سبقتكم بسكون الباء الى النار؛ فتأمل ذلك فباطنه عجيب و غوره
بعيد لطيف و كذلك أكثر كلامه عليه السّلام، و في بعض النسخ و قد جاء في رواية
أخرى:
و السبقة الجنة بضم السين و السبقة عندهم اسم لما يجعل للسابق إذا
سبق من مال أو عرض و المعنيان متقاربان لان ذلك لا يكون جزاء على فعل الأمر
المذموم و انما يكون جزاء على فعل الأمر المحمود» و قال المفيد- رضوان اللَّه
عليه- في الإرشاد في باب عقده لنقل مختصر من كلام أمير المؤمنين عليه السّلام ضمن
ترجمته: «و من كلامه عليه السّلام في التزهيد في الدنيا و الترغيب في أعمال
الاخرة ما اشتهر بين العلماء و حفظه ذوو الفهم و الحكماء: أما بعد أيها الناس فان
الدنيا قد أدبرت و آذنت بوداع (الخطبة لكن باختلاف في بعض الفقرات و زيادة و
نقيصة)» (انظر ص 176- 177 من طبعة تبريز سنة 1308) و
نقلها المجلسي (رحمه الله) في المجلد السابع عشر في باب مواعظ أمير المؤمنين من
البحار عن الإرشاد (انظر ص 110؛ س 9).