يعرفن مدبرات، انّ الفتن تحوم كالرّياح يصبن بلدا و يخطئن اخرى، ألا انّ
أخوف الفتن عندي عليكم فتنة بنى أميّة، انّها فتنة عمياء مظلمة مطيّنة[1] عمّت فتنتها و خصّت بليّتها، و أصاب البلاء من أبصر فيها، و أخطأ البلاء
من عمى عنها، يظهر أهل باطلها على أهل حقّها، حتّى يملأ الأرض عدوانا و ظلما و بدعا،
و انّ أوّل من يضع جبروتها و يكسر عمدها و ينزع أوتادها اللَّه ربّ العالمين، و أيم
اللَّه لتجدنّ بنى أميّة أرباب سوء لكم بعدي كالنّاب الضّروس[2] تعضّ بفيها و تخبط بيديها و تضرب برجليها و تمنع درّها[3]، لا يزالون بكم[4] حتّى لا يتركوا في مصركم الّا تابعا لهم أو غير ضارّ[5]، و لا يزال بلاؤهم بكم حتّى لا يكون انتصار[6] أحدكم
[ينكرن] أي لا يعرف حالهن» و قال ابن أبى الحديد في شرح النهج:
«انالفتن إذا أقبلت شبهت،.
معناه أن الفتن عند إقبالها و ابتداء حدوثها يلتبس أمرها و لا يعلم
الحق منها من الباطل الى أن تنقضي و تدبر؛ فحينئذ ينكشف حالها و يعلم ما كان مشتبها
منها، ثم أكد عليه السلام هذا المعنى بقوله: ينكرن مقبلات و يعرفن مدبرات؛ و مثال ذلك
فتنة الجمل و فتنة الخوارج كان كثير من الناس فيهما في مبدإ الأمر متوقفين و اشتبه
عليهم الحال و لم يعلموا موضع الحق الى ان انقضت الفتنة و وضعت الحرب أوزارها بان لهم
صاحب الضلالة من صاحب الهداية».
- في الأصل: «استقرت».
- في النهج: «ينكرن».
[1]في البحار: «أي مخفية» أقول: هو من قولهم:
«طان
الحائط و البيت طلاه بالطين، و مثله: طينه تطيينا» و هو كناية عن اختفاء الشى و استتاره
كما هو ظاهر.