و العجب منهما جميعا كيف اقتنعا في هذه المسألة المهمة الشريفة
الدينية التي لا يخرج الإنسان من خطر سوء العاقبة الا بتحقيقها و تبيينها بهذه
المرتبة الدنيّة، و قصرا في الاعتقاد بيوم المعاد على هذه الدرجة النازلة.
بل الحق الحقيق بالاعتقاد و التصديق، هو ما تنورت به نفوس الراسخين
في العلم و الايمان، المثبتين في الحكمة و العرفان، من علماء هذه الملة البيضاء و
حكماء هذه الشريعة الغراء، و هو أن الصور الموجودة الموعودة في الدار الاخرة
موجودات عينيّة و ثابتات خارجية منفصلة عن النفس- لا أنها حالّة فيها حلول الصور
الانطباعية- و انما هي جواهرها جواهر عينية و ثابتات خارجية منفصلة عن النفس 27، و هي على أشكالها و هيئاتها و صفاتها المنعوتة
في الكتاب و السنة، و أقدارها و إعظامها و اعدادها الموعودة في لسان الشريعة من
غير تجوزات و استعارات في اللفظ، و تكلفات و تمحلات في الحكاية.
و هي أقوى تأثيرا و أدوم آثارا من موجودات هذا العالم بل لا نسبة
بينها و بين هذه المؤثرات (الداثرات- ن) المستحيلات في باب الموجودية و ترتب
الآثار بها و ليست انها بحيث يمكن أن ترى بهذه الأبصار البالية الفانية كما ذهب
اليها الظاهريون، و لا انها خياليّة محضة لا وجود لها في العين، أو مثاليّة محضة
لا يشاهد الا في مظاهر اخرى نفسانية او خيالية، او أجرام فلكيّة أو كوكبية كما رآه
آخرون، و لا انها مجرد مفهومات عقلية و امور ذهنيّة كلية كما زعمه المشّاؤون و لا
أنها مجرد مثالات عقلية لاجسام نوعية و أرباب أنواع جسمانية لاصنام شخصية كما ذهب
اليه الرواقيّون، و لا أنها أشخاص و أجسام
[1] - الإلهيات من الشفاء: 551، أواخر المقالة التاسعة.
نام کتاب : تفسیر القرآن الکریم نویسنده : الملا صدرا جلد : 5 صفحه : 201