نام کتاب : تفسیر القرآن الکریم نویسنده : الملا صدرا جلد : 3 صفحه : 79
و الحقّ إنّ المأمور بالسجود و الانقياد لآدم جميع الملائكة
السماويّة و الأرضيّة كما دلّ عليه قوله تعالى:فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إلّا انّ الملائكة الأرضيّة 5 في وقت و مقام، و الملائكة السماويّة في
وقت و مقام آخر. فإن للإنسان درجات و مقامات بحسب سيره إلى اللّه.
فما دام كونه في مقام النفسيّة و عدم عروجه إلى عالم القدس العقلي
فلا معنى لكون أكابر الملائكة- و هم المحرّكون للأجرام السماويّة- مطيعة له،
لأنّهم إنما يطيعون أمر اللّه و عالم الأمر، و يلتمسون الأنوار العقليّة و
يتشوّقون إلى الاتّصال بالملإ الأعلى، و هم القاعدون في صوامع الجبروت و مصاقع الربوبيّة
و مجامع الإلهيّة.
و أما إذا خرج عن مقام النفسيّة إلى مقام العقليّة الصرفة، و خلص عن
التلوّنات و التغيّرات إلى المرجع و المآب، و استقرّ في مقعد من مقاعد الانس و
الرحمة، منخرطا في سلك المقرّبين المهيّمين، فحينئذ يطيع له ملائكة السماء طاعتهم
للملإ الأعلى لأنّه صار معهم في مقام الوحدة الجمعيّة و السعادة الكبرى و البهجة
العظمى التي يكلّ اللسان عن وصفها، و يضيق الأسماع و الأذهان عن سمعها و فهمها.
و أمّا الملائكة المهيّمون- و هم الذين لا تعلّق لهم بعالم الأجسام
لاستغراقهم بمشاهدة جمال الأحديّة- فظاهر إنّهم خارجون عن أمر السجدة لغير اللّه و
الانقياد لما سواه، و لا يشكل هذا بعموم قولهفَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ لأنّ إطلاق الملائكة بناء على أنّه مشتقّ من «الالوكة»
بمعنى
الرسالة- كما مرّ- إنّما شاع على من له رسالة من اللّه إلى خلقه، و الأرواح
المهيّمة مقامهم فوق ذلك. و الدليل على ذلك قوله تعالى:أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ أي الملائكة المرتفعين عن الالتفات بهذا العالم مطلقا- و اللّه أعلم
بأسرار خلقه و آثار أمره.
نام کتاب : تفسیر القرآن الکریم نویسنده : الملا صدرا جلد : 3 صفحه : 79