هذه الآية من أرجى الآيات و أقواها دلالة على رحمته و تجاوزه عن
سيّئات عباده العاصين، لأنّ وقوع قوله:فَلَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ إلى آخره عقيب ذكر هذه القبائح الشنيعة، و الآثام الرديّة كعبادة
العجل، و كفران النعمة، و جحود النبوّة، و إنكار المعجزات الجليّة الواضحة، و نقض
الميثاق المؤكّد من قبل اللّه، و غير ذلك من صفات القلوب القاسية المظلمة- يدلّ
على كمال رأفته و عفوه.
قال القفّال
[1]:
قد
يعلم في الجملة انّهم بعد قبول التورية و رفع الطور أعرضوا عن التورية و تركوا
العمل بها و نزلوا عنها بأمور كثيرة، فحرّفوا التورية، و قتلوا الأنبياء، و كفروا
بهم و عصوا أمرهم. و منها ما عمله أوائلهم. و منها ما فعله متأخّروهم، و لم يزالوا
في التيه مع مشاهدتهم الأعاجيب ليلا و نهارا يخالفون موسى عليه السّلام، و يعرضون
و يلقونه بكلّ أذى و يجاهرون بالمعاصي في معسكرهم ذلك حتّى أنّه خسف الأرض ببعضهم
و أحرقت النار بعضهم و عوقبوا بالطاعون. و كلّ هذا مذكور في تراجم التورية التي
يقرّون بها.