فنقول: قد علمت سابقا إنّ الشكر من جملة مقامات السالكين، و منزل من
منازل أهل الدين، و كلّ مقام و منزل لهم ينتظم من علم و حال و عمل. العلم هو
الأصل، فيورث الحال، و الحال يورث العمل.
أمّا العلم هاهنا فهو معرفة المنعم و إنعامه. و أمّا الحال فيه فهو
الابتهاج الحاصل فيه بإنعامه و أمّا العمل فيه فهو القيام بما هو مؤدّ إلى مقصود
للمنعم و غاية إنعامه.
و يتعلّق ذلك العمل بالقلب و الجوارح و اللسان. و لا بدّ من بيان
جميع ذلك ليحصل بمجموعه الإحاطة بحقيقة الشكر.
فالأصل الأوّل العلم:
و هو متعلّق بثلاثة امور: بعين النعمة، و وجه كونها نعمة في حقّه، و
بذات المنعم و وجود صفاته التي بها يتمّ الإنعام، و بصدور الإنعام منه عليه، فإنّه
لا بدّ من منعم و منعم عليه يصل إليه النعمة من المنعم بقصد و إرادة.
فهذه الأمور لا بدّ من معرفتها في حقّ غير اللَّه، فأمّا في حق
اللَّه فلا يتمّ إلّا بأن يعرف انّ النعم كلّها منه، و هو المنعم بالحقيقة، و
الوسائط مسخّرون من جهته، فهذه المعرفة هي معرفة أن «لا مؤثّر في الوجود إلّا اللَّه» و هو توحيد
الأفعال. و هذه المعرفة وراء التقديس و التوحيد في الذات الواجبيّة، إذ دخل هذا
التوحيد و التقديس فيها، بل الرتبة الاولى في معارف الايمان التقديس.
ثمّ إذا عرف ذاتا مقدّسة عن النقائص الإمكانيّة- فضلا عن المثالب
المادّية و المكانيّة- فيعرف انّه لا مقدّس إلّا واحد، و ما عداه غير مقدّس- و هو
التوحيد.
ثمّ يعلم إنّ كل ما في العالم فهو موجود من ذلك الواحد فقط، و الكلّ
نعمة
[1] إحياء علوم الدين: كتاب الشكر، الركن الأول،
4/ 81.
نام کتاب : تفسیر القرآن الکریم نویسنده : الملا صدرا جلد : 3 صفحه : 386