منها أن لا يطلب الدنيا بعلمه. فإنّ أقلّ درجات العالم أن يدرك حقارة
الدنيا و خسّتها و كدورتها و انصرامها، و عظم الآخرة و دوامها و صفاء نعيمها و
جلالة ملكها، و يعلم إنّهما متضادا، و إنّهما كالضرّتين- مهما أرضيت أحدهما أسخطت
الاخرى ... و إنّما كالمشرق و المغرب- متى قربت من إحداهما بعدت عن الاخرى إذ
الآخرة عالم النور و القصور، و الدنيا عالم الظلمة و القبور، و إنهما ككفّتي
الميزان مهما رجحت إحداهما خفّت الاخرى، كما قال أبو نصر الفارابي في نظم له [2]:
عابوا عليّ خصاصتي فأجبتهم
حظّ و علم كيف يجتمعان 77
رجحان ذا خسران ذا و كلاهما
يتخالفان ككفّتي ميزان
حاز الجهول الرزق بالسبب الذي
وقع اللبيب به على حرمان
فمن لم يعلم حقارة الدنيا و كدورتها، و امتزاج لذّتها بالمها، ثمّ
انصرام ما يصفو منها- فهو فاسد العقل. فإنّ المشاهدة و التجربة ترشد إلى ذلك، فكيف
يكون من العلماء من لا عقل له؟! و من لا يعلم عظم أمر الآخرة و دوام نعيمها و جحيمها
فهو كافر
[1] الغزالي في احياء علوم الدين: كتاب العلم، الباب السادس 1/
60. ملخصا.
و الظاهر ان الغزالي ايضا أخذ جل ما قاله هناك من قوت القلوب لأبي
طالب المكي:
«باب
ذكر
الفرق بين علماء الدنيا و علماء الآخرة» 1/ 140.