لهم، و كان المشركون قد سبقوهم إلى الماء، و نزل المؤمنون في كثيب
أعفر تسوخ فيه الاقدام على غير ماء، و ناموا، فاحتلم أكثرهم، فقال أنتم يا أصحاب
محمّد تزعمون أنكم على الحق و إنّكم تصلّون على غير وضوء و على الجنابة، و قد
عطشتم، و لو كنتم على الحقّ ما غلبكم هؤلاء على الماء و ما ينتظرون بكم إلّا أن
يجهدكم العطش، فاذا قطع العطش أعناقكم مشوا إليكم فقتلوا من أحبّوا و ساقوا
بقيّتكم إلى مكّة، فحزنوا حزنا شديدا، و أشفقوا.
فأنزل اللّه المطر فمطروا ليلا حتّى جرى الوادي، و اتخذ رسول اللّه
صلّى اللّه عليه و آله و أصحابه الحياض على عدوة الوادي و سقوا الركاب و اغتسلوا و
توضّؤا، و تلبّد الرمل الذي كان بينهم و بين العدوّ حتّى ثبتت عليه الاقدام، و
زالت وسوسة الشيطان، و طابت النفوس.
و على القيل و قد ذهب إليه كثير فمع دلالته على رفع حدث الجنابة
بخصوصه يدلّ أيضا على كون الاحتلام من الشيطان و يحتمل أن يراد به المنيّ لأنّ
الظاهر من الرجز النجاسة العينيّة و يؤيّده قراءة رجس الشيطان.
المحيض جاء مصدرا كالمجيء و المبيت، و اسم زمان و اسم مكان، فالأوّل
إمّا اسم مكان موافقا للثاني كما يأتي أو مصدر أريد به دم الحيض، أو معناه
المصدريّ لقوله
«قُلْهُوَ أَذىً» أى مستقذر يؤذي من يقربه نفرة منه و كراهة، و في الإتيان باسم الظاهر
أوّلا ثمّ بضميره ثمّ بالأخبار عنه بالأذى، تنبيه على غلظة نجاسته، و توضيح للحكم،
و للتفريع في قوله
«فَاعْتَزِلُواالنِّساءَ فِي
الْمَحِيضِ».
اعلم أنّه قد أجمع العلماء على جواز الاستمتاع بالحائض بما فوق
السرّة و تحت الركبة، و جواز مضاجعتها و ملامستها، و هذا يقتضي أن يكون المحيض
الثاني اسم