اللّه صلّى اللّه عليه و آله على المنبر يخطب، و قيل: يصلّي و كان
يضرب بالطبل ليؤذن الناس بقدومه أو كانوا إذا أقبلت العير استقبلوها بالطبل و
التصفيق، فلما اتّفق ذلك قاموا إليه، فما بقي معه إلّا يسير، قيل: ثمانية، و أحد
عشر، و اثنا عشر، و أربعون، فقال: و الذي نفس محمّد بيده لو خرجوا جميعا لأضرم
اللّه عليهم الوادي نارا.
و عن قتادة: فعلوا ذلك ثلاث مرات في كلّ مقدم عير و نزلت في ذمّ
أولئك بأنهم إذا علموا تجارة أو لهوا انصرفوا عنه صلّى اللّه عليه و آله «إليها» إلى التجارة، و إنّما خصّت
بردّ الضمير إليها، لأنها كانت أهم إليهم اكتفاء، و التقرير إذا رأوا تجارة
انفضّوا إليها أو لهوا انفضّوا إليه، فحذف أحدهما لدلالة الآخر عليه.
و كذلك قراءة من قرء «انفضّوا إليه» و قراءة من قرء لهوا أو تجارة انفضّوا إليها، و قرئ إليهما [1] فالظاهر أنّ منهم من خرج للتجارة، و منهم من خرج للهو، كما قيل.
و قيل: الضمير للتجارة من غير تقدير آخر، لأنّ المراد إذا رأوا تجارة
و علموها أو لهوا دالّا عليها فظنّوها انفضّوا إليها. و قدّم التجارة أولا للترقّي
باللهو، إذ لا فائدة لهم فيه، بخلافها فالذمّ على الانصراف أولى و أقوى و أخّرها
ثانيا للترقّي بها فان كون ما عند اللّه من الثواب على سماع الخطبة و حضور الموعظة
و الصلاة و الثبات مع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله- أو من خير الدنيا و الآخرة-
خيرا من التجارة أبلغ من كونه خيرا من اللهو الذي لا فائدة فيه إلّا وهما و لعلّ
التفضيل أيضا بناء على وهمهم لينا و مماشاة و تخلّقا معهم.
«وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ» فيرزقكم إن لم تتركوا
الخطبة و الجمعة خيرا ممّا يرزقكم
[1] نقله في الكشاف ج 4 ص 537 قال في روح
المعاني ص 93 و قرئ إليهما بضمير الاثنين كما في قولهإِنْ يَكُنْ
غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما و هو متأول لأنه
بعد العطف بأو لكونها لأحد الشيئين لا يثنى الضمير و كذا الخبر و الحال و الوصف
فهي على هذه القراءة بمعنى الواو كما قيل في الآية التي ذكرناها انتهى.