طرفا النّظم؟ قلت: ليست التّقوى غير العبادة حتّى يؤدى ذلك إلى تنافر
النّظم و إنّما التّقوى قصارى أمر العابد و منتهى جهده، فاذا قال «اعْبُدُوارَبَّكُمُ
الَّذِي خَلَقَكُمْ» للاستيلاء على أقصى غايات العبادة، كان أبعث على العبادة، و أشدّ
إلزاما على ما ثبت في النفوس، كذا في الكشاف.
ثمّ ظاهر الأمر إيجاب مطلق العبادة على كلّ النّاس: مسلمهم و كافرهم،
حرّهم و عبدهم، إلّا ما أخرجه الدّليل كالصّبيان و المجانين، فيدلّ على وجوب
العبادة في الجملة، أو حتّى يكونوا متّقين.
و على مشروعيّتها مطلقا، قيل فلا يحتاج إلى التوقيف فتصلح النّافلة
دائما و الصّوم كذلك و إعادة العبادة و القضاء، و غير ذلك من أنواع العبادة، و لا
يخفى أنّ ذلك بعد ثبوت كونها عبادة مطلقا و ربّما يكتفي باشتمالها على الخضوع و
التذلّل مع ورود الشّرع بشيء من جنسه أو مطلقا فتأمّل.
و على أنّ الكافر مكلّف، و العبد كذلك، قيل: و تدلّ على أنّ العابد
لا يستحقّ بعبادته عليه ثوابا، و إنّما وجبت عليه شكرا لما عدّده عليه من النّعم
السّابقة فهو كأجير أخذ الأجر قبل العمل، و فيه نظر لجواز ذكر النعم المعدودة
لمزيد الترغيب و التحريص فان الآمر إذا عدّد بعض نعمه عند الأمر، كان ذلك آكد و
أتمّ، و أبعث على الرغبة.
ثمّ غايته أن يكون مقارنتها للأمر دالّة على وجوب امتثاله لهذه
الأوصاف و أقصى ذلك أن يكون هذه موجبة لعبادته، أو اختصاصه بالعبادة، و على كلّ
تقدير لا يلزم كونها لمجرد الشّكر، أن لا يترتّب عليها ثواب، و لا يستحق بها أجر
بوجه.
على أنّ قوله «لَعَلَّكُمْتَتَّقُونَ» لا يبعد أن يكون إشارة إلى حصول الثّواب و دفع العقاب، بل هو أقوى في
ذلك كما لا يخفى.
على أنّ تعداد النّعم و الامتنان بها على العباد في مواضع كثيرة من
المنعم الغنيّ المطلق، إنّما يناسب عدم إرادة العوض، فلا ينبغي كونها سببا موجبا
للعبادة و شكرا لها على ما ادّعاه، هذا مع ما دلّ على ترتّب الثواب من الآيات و
الأخبار،