الايمان، فلا نسلّم أن كلما كان كذلك كان واجبا، و إن قارن فعل
الزكاة، و إلّا فلا نسلّم أنّ له دخلا في حصول كمال الايمان، بل هو من متفرعاته.
و أيضا فإنّ ظاهر السياق في الجميع واحد، فان فهم الوجوب فهم في
الخشوع أيضا، و لم يفهمه هذا القائل، بل صرّح بدلالتها على الاستحباب و لم يذكر
احتمال الوجوب، مع قوله بدلالتها على الترغيب في الخشوع حتّى كاد أن يكون له دخل عظيم
في الايمان أي كماله، و كونه أقرب إلى فعل الزكاة غير موجب لاختصاصه بذلك كما لا
يخفى.
نعم الآية قد دلّت على المدح العظيم، و ثبوت الفلاح للمؤمن الموصوف
بهذه الأوصاف أو أحدها، و هذا لا يستلزم عدم اشتمالها على المندوب أصلا، و لو قلنا
بحصر الفلاح أو المؤمنين فيهم كما لا يخفى.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ في الآية دلالة على كراهة الميل إلى اللغو و
حضوره و تسببه أيضا كما أشار إليه القاضي 1 حيث قال: و هو أبلغ من: الّذين لا
يلغون، من وجوه: جعل الجملة اسميّة، و بناء الحكم على الضمير، و التعبير عنه
بالاسم، و تقديم الصلة عليه، و إقامة الاعراض مقام الترك، ليدلّ على بعدهم عنه
رأسا مباشرة و تسبّبا و ميلا و حضورا، فإن أصله أن يكون في عرض غير عرضه.
و كذلك قولهوَ الَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ الزكاة اسم 2 مشترك بين
عين هو القدر المخرج من النصاب، و معنى هو التزكية و هو المراد، و ما من مصدر إلّا
و قد يعبّر عن معناه بالفعل، و يقال لمحدثه فاعله كما يقال للضارب فاعل الضرب، و
يجوز أن يراد العين على تقدير مضاف هو الأداء، و لم يمتنع أن يتعلّق بها فاعلون من
غير حذف لخروجها من صحّة أن يتناولها 1- البيضاوي ج 3 ص 215.
2- الزكاة قال في مقاييس اللفة ج 3 ص 17 الزاء و الكاف و الحرف المعتل
أصل يدل على نماء و زيادة و يقال الطهارة زكاة المال قال بعضهم سميت بذلك لأنها
مما يرجى به زكاة المال و هو زيادته و نماؤه و قال بعضهم سميت زكاة لأنها طهارة.